الأحد، 20 مارس 2011

تفسير الاحلام الاول


&بسم الله الرحمن الرحيم
@-الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أجل المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الكرام المنتخبين
(اعلم) وفقك الله أن مما يحتاج إليه المبتدئ أن يعلم أن جميع ما يرى في المنام على قسمين، فقسم من الله تعالى وقسم من الشيطان، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" والمضاف إلى الله تعالى من ذلك هو الصالح، وإن كان جميعه أي الصادقة وغيرها خلقا لله تعالى، وأن الصالح من ذلك هو الصادق الذي جاء بالبشارة والنذارة وهو الذي قدره النبي صلى الله عليه وسلم جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة
وأن الكافرين وفساق المؤمنين قد يرون الرؤيا الصادقة
وأن المكروه من المنامات هو الذي يضاف إلى الشيطان الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتمانه والتفل عن يساره ووعد فاعل ذلك أنها لا تضره
وأن ذلك المكروه ما كان ترويعا أو تحزينا باطلا أو حلما يؤدي إلى الفتنة والخديعة والغيرة دون التحذير من الذنوب والتنبيه على الغفلات والزجر عن الأعمال المهلكات، إذ لا يليق ذلك بالشيطان الآمر بالفحشاء وإنما إضافة أباطيل الأحلام إلى الشيطان على أنه هو الداعي إليها
وأن الله سبحانه هو الخالق لجميع ما يرى في المنام من خير أو شر
وإن اختلاف الموجب للغسل مضاف إلى الشيطان، وكذلك ما تراءى من حديث النفس وآمالها وتخاويفها وأحزانها مما لا حكمة فيه، تدل على ما يؤول أمر رائيه إليه
وكذلك ما يغشى قلب النائم الممتلئ من الطعام أو الخالي منه كالذي يصيبه عن ذلك في اليقظة إذ لا دلالة منه ولا فائدة فيه وليس للطبع فيه صنع ولا للطعام فيه حكم ولا للشيطان مع ما يضاف إليه منه خلق وإنما ذلك خلق الله سبحانه قد أجرى العادة أن يخلق الرؤيا الصادقة عند حضور الملك الموكل بها فتضاف بذلك إليه، وإن الله تعالى يخلق أباطيل الأحلام عند حضور الشيطان فتضاف بذلك إليه
وأن الكاذب على منامه مفتر على الله عز وجل
وأن الرائي لا ينبغي له أن يقص رؤياه إلا على عالم أو ناصح أوذي رأي من أهله كما روي في الخبر
وأن العابر يستحب له عند سماع الرؤيا من رائيها، وعند إمساكه عن تأويلها لكراهتها ولقصور معرفته عن معرفتها، أن يقول "خير لك وشر لأعدائك خير تؤتاه وشر تتوقاه"، هذا إذا ظن أن الرؤيا تخص الرائي، وإن ظن أن الرؤيا للعالِم قال "خير لنا وشر لعدونا، خير نؤتاه وشر نتوقاه، والخير لنا والشر لعدونا"
وأن عبارة الرؤيا بالغدوات أحسن، لحضور فهم عابرها وتذكار رائيها، لأن الفهم أوجد ما يكون عند الغدوات من قبل افتراقه في همومه ومطالبه، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم بارك لأمتي في بكورها"
وأن العبارة قياس واعتبار وتشبيه وظن لا يعتبر بها ولا يختلف على عينها، إلا أن يظهر في اليقظة صدقها أو يرى برهانها
وأن التأويل بالمعنى أو باشتقاق الأسماء
وأن العابر لا ينبغي له أن يستعين على عبارته بزاجر في اليقظة يزجره ولا يعول عند ذلك بسمعه ولا بحساب من حساب المنجمين يحسبه
وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتمثل به في المنام شيطان وأن من رآه فقد رآه حقا
وأن الميت في دار حق فما قاله في المنام فحق، ما سلم من الفتنة والعزة، وكذلك الطفل الذي لا يعرف الكذب وكذلك الدواب وسائر الحيوان الأعجم إذا تكلم فقوله حق وكلام ما لا يتكلم آية وأعجوبة
وكل كذاب في اليقظة كالمنجم والكاهن، فكذلك قوله في المنام كذب
وأن الجنب والسكران ومن غفل من الجواري والغلمان قد تصدق رؤياهم في بعض الأحيان، وإن تسلط الشيطان عليهم بالأحلام في سائر الزمان
وأن الكذاب في أحاديث اليقظة قد يكذب عامة رؤياه
وأصدق الناس أصدقهم حديثا
وأن العابر لا يضع يده من الرؤيا إلا على ما تعلقت أمثاله ببشارة أو نذارة أو تنبيه أو منفعة في الدنيا والآخرة ويطرح ما سوى ذلك لئلا يكون ضغثا أو حشوا مضافا إلى الشيطان
وأن العابر يحتاج إلى اعتبار القرآن وأمثاله ومعانيه واضحة كقوله تعالى في الحبل:{واعتصموا بحبل الله جميعا}. وقوله في صفات النساء: {بيض مكنون}. وقوله في المنافقين: {كأنهم خشب مسندة}. وقوله: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها}. وقوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}. وقوله: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}.
وأنه أيضا يحتاج إلى معرفة أمثال الأنبياء والحكماء
وأنه يحتاج أيضا إلى اعتبار أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمثاله في التأويل كقوله: "خمس فواسق" وذكر الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور، وقوله في النساء: "إياك والقوارير"، وقوله المرأة "خلقت من ضلع"
ويحتاج العابر أيضا إلى الأمثال المبتذلة كقول إبراهيم عليه السلام لإسماعيل: "غَيِّر أسكفة الباب" أي طلق زوجتك، وقول المسيح عليه السلام وقد دخل على مومسة يعظها: "إنما يدخل الطبيب على المريض" يعني بالطبيب العالم وبالمريض المذنب الجاهل، وقول لقمان لابنه: "بَدّل فراشك" يعني زوجتك، وقول أبي هريرة، حين سمع قائلا يقول "خرج الدجال"، فقال: "كذبة كذبها الصباغون" يعني الكذابين
وأنه محتاج مع الرجز والشعر إلى اعتبار معانيه ليقوى بذلك على معاني أمثال المنام كقول الشاعر:
وداع دعاني للندا وزجاجة * تحسينها لم يعن ماء ولا خمرا
يعني بالداعي دعوة الغناء، وبالزجاجة فم المرأة
وكقول الآخر:
ليس للنرجس عهد * إنما العهد للآس
وكقوله الآخر:
أنت ورد وبقاء ال * ورد (الورد) شهر لا شهور
وهو أي الآس والآ * س (والآس) على الدهر صبور
فينسبه بذلك إلى قلة بقاء الورد والنرجس ودوام الآس وبقائه، وبتأول ذلك في الرؤيا إذا جاء فيها
وأنه محتاج إلى اشتقاق اللغة ومعاني الأسماء: كالكفر أصله التغطية، والمغفرة أصلها الستر، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، والفسق الخروج والبروز، ونحو ذلك
وأنه محتاج إلى إصلاح حاله وطعامه وشرابه وإخلاصه في أعماله ليرث بذلك حسن الاتوسيم [لعله "التوسم"، فليراجع؟؟] في الناس عند التعبير
وأن الرؤيا الصادقة قسمان: قسم مفسر ظاهر لا يحتاج إلى تعبير ولا تفسير، وقسم مكني مضمر تودع فيه الحكمة والإبناء في جواهر مرئياته
وما كان له طبع في الصيف وطبع في الشتاء، عبر عنه في كل حين يرى فيه بطبع وقته وجوهره وعادته في ذلك الوقت، كالشجر والتمر والبحر والنار والملابس والمساكن والحيات والعقارب
وما كان له طبع بالليل وطبع بالنهار، عبر عنه في رؤيا الليل بطبعه وفي رؤيا النهار بعادته، كالشمس والقمر والكواكب والسراج والنور والظلمة والقنافذ والخفاش، وأمثال ذلك
ومن كانت له في الناس عادة: لازمته من المرئيات في سائر الأزمان أو في وقت منها، دون ترك فيها عادته التي عوده ربه تعالى
كالذي اعتاد أكل اللحم في المنام: أكله.
وإذا رأى الدراهم: دخلت عليه واستفاد مثلها في اليقظة
وإذا رأى الأمطار: رآها في اليقظة
أو يكون عادته في ذلك وفي غيره على خلاف ما في الأصول
وكل ماله في الرؤيا وجهان وجه يدل على الخير ووجه يدل على الشر: أعطى لرائيه من الصالحين أحسن وجهيه، وأعطى لرائيه من الطالحين أقبحهما
وإن كان ذلك المرئي ذا وجوه كثيرة متلونة متضادة متنافية مختلفة: لم يصر إلى وجه منها دون سائرها إلا بزيادة شاهد، وقيام دليل من ضمير الرائي في المنام، أو من دليل المكان الذي رأى نفسه فيه
وأن الرؤيا تأتي على ما مضى وخلا وفرط وانقضى: فتذكر عنه بغفلة عن الشكر قد سلفت، أو بمعصية فيه قد فرطت، أو بتباعة منه قد بقيت، أو بتوبة منه قد تأخرت
وقد تأتي عما الإنسان فيه
وقد تأتي عن المستقبل: فتخبر عما سيأتي من خير أو شر، كالموت والمطر والغنى والفقر والعز والذل والشدة والرخاء
وأن أقدار الناس قد تختلف في بعض التأويل حسب اختلافها في نقصانها في الجدود والحظوظ، وإن تساووا في الرؤيا
فلا يجيد تعبير ذلك المرئي الذي يتفقون في رؤيته في المنام، إلا واسع المعاني متصرف الوجوه
كالرمانة: ربما كانت للسلطان كورة يملكها، أو مدينة يلي عليها، يكون قشرها جدارها أو سورها وحبها أهلها؛ وتكون للتاجر داره التي فيها أهله، أو حمامه، أو فندقه، أو سفينته الموقرة بالناس والأموال في وسط الماء، أو دكانه العامر بالناس، أو كتابه المملوء بالغلمان، أو كيسه الذي فيه دراهمه ودنانيره؛ وقد تكون للعالم أو للعابد الناسك كتابه ومصحفه، وقشرها أوراقه، وحبها كتابه الذي به صلاحه؛ وقد تكون للأعزب زوجة بمالها وجمالها، أو جارية بخاتمها يلتذ بها حين افضاضها [افتضاضها؟؟]؛ وقد تكون للحامل ابنة محجوبة في مشيمتها ورحمها ودمها؛ وربما كان في مقادير الأموال بيت مال السلطان وبدرة للعمال، وألف دينار لأهل اليسار، ومائة دينار للتجار، وعشرة للمتوسط، ودرهما للفقير، وخروبة للمسكين، أو رغيف خبز أو مدا من الطعام أو رمانة كما رآها لأنها عقدة من العقد تحل في الاعتبار والنظر والقياس في الأمثال المضروبة للناس على الأقدار والأجناس
وما كان من الشجرة ذات السيقان والشعب والمعرفة بالفريقين، فأكرمها عرب
وما كان منها لا ساق لها كاليقطين ونحوه، فهو من العجم، أو من لا حسب له، كالمطروح والحميل واللقيط
وبذلك يوصل إلى فوائد الزوائد وعوائدها
وربما رأى الإنسان الشيء فعاد تأويله إلى شقيقه أو ربيبه أو سميه أو نسيبه أو صديقه أو جاره أو شبهه في فن من الفنون، وإنما يشرك بين الناس في الرؤيا بوجهين من هذه الأسباب: كمن يتفق معه في النسب الواحد كشقيقه لاشتراكه معه في الأبوة والنسب والبطن، وكسميه وجاره ونظيره. فلا تصح الشركة إلا بوجهين فصاعدا
وليس تنقل الرؤيا أبدا برأسها عمن رئيت له ألا [؟؟] تليق به معانيها ولا يمكن أن ينال مثله موجبها ولا أن ينزل به دليلها أو يكون شريكه فيها أحق بها منه بدليل يرى عليه وشاهد في اليقظة والنظر يزيد عليه، كدلالة الموت لا تنقل عن صاحبها إلا أن يكون سليم الجسم في اليقظة وشريكه مريضا فيكون لمرضه أولى بها منه لدنوه من الموت واشتراكه معه في التأويل
فلذلك يحتاج العابر إلى أن يكون كما وصف أدبيا ذكيا فطنا نقيا عارفا بحالات الناس وشمائلهم وأقدارهم وهيئاتهم، يراعي ما تتبدل مرائيه وتتغير فيه عادته، عند الشتاء إذا ارتحل ومع الصيف إذا دخل، عارفا بالأزمنة وأمطارها ونفعها ومضارها، وبأوقات ركوب البحار وأوقات ارتجاجها، وعادة البلدان وأهلها وخواصها وما يناسب كل بلدة وما يجيء من ناحيتها، كقول الفتى في الجاورس ربما دل على قدوم غائب من اليمن لأن شطر اسمه جار الورس لا يكون إلا من اليمن، عرافا بتفصيل المنامات الخاصية من العامية فيما يراه الإنسان
والمرئيات التي تجتمع العالم والخلق في نفعها كالسماء والشمس والقمر والكواكب والمطر والريح والجوامع والرحاب، فما رآه في منامه من هذه الأشياء خاليا فيه مستبدا به أو رآه في بيته فهو له في خاصيته
وقد قالت القدماء من غلبت عليه السوداء رأى الأحداث والسواد والأهوال والأفزاع، وإن غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والدم أو المعصفر، وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والعزف والصفق والمزامير
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرؤيا ثلاثة فرؤيا بشرى من الله تعالى ورؤيا من الشيطان، ورؤيا يحدث بها الإنسان نفسه فيراها"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذهبت النبوات وبقيت المبشرات"، وقد قال بعض المفسرين في قوله عز وجل {لهم البشرى في الحياة الدنيا} قال هي الرؤيا الصالحة
وقيل إن العبد إذا نام وهو ساجد يقول ربنا عز وجل انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي
وروي عن أبي الدرداء قال: إذا نام الرجل عرج بروحه إلى السماء حتى يؤتى بها العرش فإن كان طاهرا أذن لها بالسجود وإن كان جنبا لم يؤذن لها في السجود
وقد اختلف الناس في النفس والروح فقال بعضهم هما شيء واحد مسمى باسمين كما يقال إنسان ورجل وهما الدم أو متصلا بالدم يبطلان بذهابه. والدليل على ذلك أن الميت لا يفقد من جسمه إلا دمه، واحتجوا لذلك أيضا من اللغة بقول العرب نفست المرأة، إذا حاضت ونفست من النفس، وبقولهم للمرأة عند ولادتها نفساء لسيلان النفس وهو الدم، وربما لم يزل جاريا على ألسنة الناس من قولهم سالت نفسه إذا مات. قال أوس بن حجر نبئت أن بنى سحيم أدخلوا أبياتهم تامور نفس المنذر والتامور الدم أراد قتلوه فأضاف الدم إلى النفس لاتصالها به.
وقال آخرون هما شيئان فالروح باردة والنفس حارة، ولهذا النفخ يكون من الروح ولذلك تراه باردا بخلاف النفس من النفس فإنه سخين. وسمَّت العرب النفخ روحا لأنه من الروح، يكون على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان متصلا به وسببا، فيقول للنبات ندى لأنه بالندى يكون، ويقولون للمطر سماء لأنه من السماء ينزل، قال ذو الرمة لقادح نار:
فقلت له ارفعها إليك وأحيها * بروحك واجعلها لها قنية قدرا
يريد أحيها بنفخك. وانشد بعض البغداديين:
وغلام أرسلته أمه * بأشاحين وعقد من ملح
تبتغي الروح فأسعفنا بها * وشفاء ماء عين في قدح
وهذه امرأة استرقت لولدها فابتغت الروح أي في نفخ الراقي إذا نفث في ماء من ماء العيون، وأخذوا النفس من النفس وقالوا للنفس نسمة، يقال على فلان عتق نسمة أي عتق نفس
والله عز وجل يقول:{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الروح روح الحياة في هذه المواضع، وذهب بعض المفسرين إلى أنه ملك من الملائكة يقوم صفا وتقوم الملائكة صفا، فإن كان الأمر على ما ذكر الأولون فكيف يتعاطى علم شيء استأثر الله عز وجل به ولم يطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد امتحن بالسؤال عنه ليكون له شاهدا ولنبوته علما؟
(يتبع...)
@(تابع... 1): -الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أجل المرسلين سيدنا محمد وعلى... ...
قال ابن قتيبة لما كانت الرؤيا على ما أعلمته من خلاف مذاهبها وانصرافها عن أصولها بالزيادة الداخلة والكلمة المعترضة وانتقالها عن سبيل الخير إلى سبيل الشر باختلاف الهيئات واختلاف الزمان والأوقات، وأن تأويلها قد يكون مرة من لفظ الاسم ومرة من معناه ومرة من ضده من كتاب الله تعالى ومرة من الحديث ومرة من المثل السائر والبيت المشهور، احتجب [احتجت؟؟] أن أذكر قبل ذكر الأصول أمثلة في التأويل لأرشدك بها إلى السبيل:
فأما التأويل بالأسماء فتحمله على ظاهر اللفظ كرجل يسمى الفضل تتأوله أفضالا ورجل يسمى راشدا تتأوله رشادا أو رشدا أو سالما تتأوله السلامة وأشباه هذا كثيرة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والآخرة وأن ديننا قد طاب" فأخذ من رافع الرفعة وأخذ من رطب ابن طاب طيب الدين وحكى عن شريك بن أبي نمر قال رأيت أسناني في النوم وقعت فسألت عنها سعيد بن المسيب فقال أو ساءك ذلك أن صدقت رؤياك لم يبق من أسنانك أحد إلا مات قبلك فعبرها سعيد باللفظ لا بالأصل لأن الأصل في الأسنان أنها القرابة وحكى عن بشر بن أبي العالية قال سألت محمدا عن رجل رأى كأن فمه سقط كله فقال هذا رجل قطع قرابته فعبرها محمد بالأصل لا باللفظ وحكى عن الأصمعي قال اشترى رجل أرضا فرأى أن ابن أخيه يمشي فيها فلا يطأ إلا على رأس حية فقال إن صدقت رؤياه لم يرس فيها شيء إلا حي قال وربما اعتبر الاسم إذا كثرت حروفه بالبعض على مذهب القائف والزاجر مثل السفرجل إذا رآه ولم يكن في الرؤيا ما يدل على أنه مرض تأوله سفرا لأن شطره سفر وكذلك السوسن أن عدل به عما ينسب إليه في التأويل وحمل على ظاهر اسمه تأول فيه السوء لأن شطره سوء قال الشاعر:
وسوسنة أعطيتها فما * كنت بإعطائي لها محسنه
أولها سوء فإن جئت بالآ * خر (بالآخر) منها فهو سوء سنه
وأما التفسير بالمعنى فأكثر التأويل عليه كالأترج إن لم يكن مالا وولدا عبر بالنفاق لمخالفة ظاهره وباطنه قال الشاعر:
أهدى له أحبابه أترجة * فبكى وأشفق من عيافة زاجر
متعجبا لما أتته وطعمها * لونان باطنها خلاف الظاهر
وأما التأويل بالمثل السائر واللفظ المبتذل فكقولهم في الضائع إنه رجل كذوب لما جرى على ألسنة الناس من قولهم فلان يصوغ الأحاديث وكقولهم فيمن يرى أن في يديه طولا أنه يصنع المعروف لما جرى على ألسنة الناس من قولهم هو أطول يدا منك وأمد باعا أي أكثر عطاء وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه رضى الله عنهن: "أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا". فكانت زينب بنت جحش أول أزواجه موتا وكانت تعين المجاهدين وترفدهم وكقولهم في المرض إنه نفاق لما جرى على ألسنة الناس لمن لا يصح لك وعده هو مريض في القول والوعد وقال الله عز وجل: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا}. أي نفاقا وكقولهم في المخاط أنه ولد لما جرى على ألسنة الناس من قولهم لمن أشبه أباه هو مخطته والهر مخطة الأسد وأصل هذا أن الأسد كان حمله نوح عليه السلام في السفينة فلما آذاهم الفأر دعا الله تعالى نوح فاستنثر الأسد فخرجت الهرة بنثرته وجاءت أشبه شيء به وكقولهم فيمن رمى الناس بالسهام أو البندق أو حذفهم أو قذفهم بالحجارة إنه يذكرهم ويغتابهم لما جرى على ألسنة الناس من قولهم رميت فلانا بالفاحشة وقال تعالى: {والذين يرمون المحصنات} و {والذين يرمون أزواجهم}. وكقولهم فيمن قطعت أعضاؤه إنه يسافر ويفارق عشيرته أو ولده في البلاد لما جرى على ألسنة الناس من قولهم تقطعوا في البلاد والله عز وجل يقول في قوم سبأ: {ومزقناهم كل ممزق}. وقال: {وقطعناهم في الأرض أمما} وكقولهم في الجراد إنها في بعض الأحوال غوغاء الناس لأن الغوغاء عند العرب الجراد وكقولهم فيمن غسل يديه بالأشنان إنه اليأس من شيء يطلبه لقول الناس لمن ييأس منه قد غسلت يدي منك بأشنان قال الشاعر:
واغسل يديك باشنان وأبقهما * غسل الجنابة من معروف عثمان
[لعل مراده أن غسل الجنابة هو من الصفات التي عرف بها عثمان رضي الله عنه، أي واظب عليها، والله أعلم. دار الحديث]
وكقولهم في الكبش إنه رجل عزيز منيع لقول الناس هذا كبش القوم وكقولهم في الصقر إنه رجل له شجاعة وشوكة لقول الناس هو صقر من الرجال قال أبو طالب:
تتابع فيها كل صقر كأنه * إذا ما مشى في رفرف الدرع أجرد
وأما التأويل بالضد والمقلوب فقولهم في البكاء إنه فرح وفي الضحك أنه حزن وكقولهم في الرجلين يصطرعان والشمس والقمر يقتتلان إذا من جنس واحد أن المصروع هو الغالب والصارع هو المغلوب وفي الحجامة إنها صك وشرط وفي الصك إنه حجامة وقولهم في الطاعون إنه حرب وفي الحرب إنه طاعون وفي السيل إنه عدو وفي العدو إنه سيل وفي أكل التين إنه ندامة وفي الندامة إنه أكل تين وفيمن يرى أنه مات ولم يكن لموته هيئة الموت من بكاء أو حفر قبر أو إحضار كفن إنه ينهدم بعض داره وقولهم في الجراد إنه جند وفي الجند إنه جراد
وأما تعبير الرؤيا بالزيادة والنقصان فكقولهم في البكاء إنه فرح فإنه كان معه رنة كان مصيبة وفي الضحك إنه حزن فإن كان تبسما كان صالحا وقولهم في الجوز إنه مال مكنوز فإن كان معه قعقعة فإنه خصومة وفي الدهن إذا أخذ منه بقدر فإنه زينة فإن سال على الوجه فإنه غم وإن كثر على الرأس كان مداهنة للرئيس وفي الزعفران إنه ثناء حسن فإن ظهر له لون في ثوب أو جسد فهو مرض أو وهم وفي الضرب إنه كسوة فإن ضرب وهو مكتوف فهو ثناء سوء يثنى عليه لا يمكنه دفعه ولمن يرى أن له ريشا فهو رياش وخير فإن طار بجناحه سافر سفرا في سلطان بقدر ما علا عن الأرض وفيمن يرى أن يده قطعت وهي معه قد أحررها أنه يستفيد أخا أو ولدا فإن رأى أنها فارقته وسقطت فإنها مصيبة في أخ أو ولد وفي المريض أنه يرى أنه صحيح يخرج من منزله ولا يتكلم أنه يموت فإن تكلم فإنه يبرأ وفي الفأر أنها نساء ما لم تختلف ألوانها فإن اختلفت فكان فيها الأبيض والأسود فهي الليالي والأيام وفي السمك إذا عرف الإنسان عدده إنه نساء فإذا كثر عدده فهو مال وغنيمة
وقد تعبر الرؤيا بالوقت كقولهم في راكب الفيل إنه ينال أمرا جسما قليل المنفعة فإن رأى ذلك في نور النهار طلق امرأته أو أصابه بسببها سوء وفي الرحمة إنها إنسان أحمق قذر وأصدق الرؤيا بالأسحار وبالقائلة وأصدق الأوقات وقت انعقاد الأنوار ووقت ينع الثمر وإدراكه وأضعفها الشتاء ورؤيا النهار أقوى من رؤيا الليل
وقد تتغير الرؤيا عن أصلها باختلاف هيئات الناس وصناعاتهم وأقدارهم وأديانهم فتكون لواحد رحمة وعلى آخر عذابا ومن عجيب أمر الرؤيا أن الرجل يرى في المنام أن نكبة نكبته وأن خيرا أوصل إليه فتصيبه تلك النكبة بعينها ويناله ذلك الخير بعينه وفي الدراهم إذا رأوها أن يصيبوها وفي الولاية إذا رأوها أن يلوها وفي الحج إذا رأوه أن يحجوا وفي الغائب يقدم في المنام فيقدم في اليقظة وربما رأى الصبي الصغير الشيء فكان لأحد أبويه والعبد فكان لسيده والمرأة فكان لبعلها أو لأهل بيتها (وحكى) أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وجه قاضيا إلى الشام فسار ثم رجع من الطريق فقال له ما ردك قال رأيت في المنام كأن الشمس والقمر يقتتلان وكأن الكواكب بعضها مع الشمس وبعضها مع القمر قال عمر مع أيهما كنت قال مع القمر قال انطلق لا تعمل لي عملا أبدا ثم قرأ: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} فلما كان يوم صفين قتل الرجل مع أهل الشام وبلغني أن الرجل هو جابر بن سعيد الطائي (حدث إسحاق بن إبراهيم الموصلي) قال كنت عند يزيد بن مزيد فقال إني رأيت رؤيا عجيبة ودعا بعابر فقال رأيت كأني أخذت طيطوى لأذبحه فأمررت السكين على حلقه ثلاث مرات فانقلبت ثم ذبحته في الرابعة فقال رأيت خيرا هذه بكر عالجتها فلم تقدر عليها ثلاث مرات ثم قدرت عليها في الرابعة قال نعم وصغا إليه فقال في الرؤيا شيء قال ما هو قال كانت هناك ضريطة من الجارية قال صدقت والله فكيف علمت قال إن اسم الطائر طيطوى
(قال ابن قتيبة) رضى الله عنه يجب على العابر التثبيت فيما يرد عليه وترك التعسف ولا يأنف من أن يقول لما يشكل عليه لا أعرفه، وقد كان محمد بن سيرين إمام الناس في هذا الفن، وكان ما يمسك عنه أكثر مما يفسر، (وحدث الأصمعي) عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال كنت أحضر ابن سيرين يسأل عن الرؤيا فكنت أحزره يعبر مكان كل أربعين واحدة (قال ابن قتيبة) وتفهم كلام صاحب الرؤيا وتبينه ثم اعرضه على الأصول فإن رايته كلاما صحيحا يدل على معان مستقيمة يشبه بعضها بعضا عبرت الرؤيا بعد مسألتك الله تعالى أن يوفقك للصواب
وإن وجدت الرؤيا تحتمل معنيين متضادين نظرت أيهما أولى بألفاظها وأقرب من أصولها فحملتها عليه
وإن رأيت الأصول صحيحة وفي خلالها أمور لا تنتظم ألقيت حشوها وقصدت الصحيح منها
وإن رأيت الرؤيا كلها مختلطة لا تلتئم على الأصول علمت أنها من الأضغاث فأعرض عنها
وإن اشتبه عليك الأمر سألت الله تعالى كشفه ثم سألت الرجل عن ضميره في سفره إن رأى السفر وفي صيده إن رأى الصيد وفي كلامه إن رأى الكلام ثم قضيت بالضمير فإن لم يكن هناك ضمير أخذت بالأشياء على ما بينت لك وقد تختلف طبائع الناس في الرؤيا ويجرون على عادة فيها فيعرفونها من أنفسهم فيكون ذلك أقوى من الأصل فينزل على عادة الرجل ويترك الأصل وقد تصرف الرؤيا عن أصلها من الشر بكلام الخير والبر وعن أصلها من الخير بكلام الرفث والشر
فإن كانت الرؤيا تدل على فاحشة وقبيح سترت ذلك ورويت عنه بأحسن ما تقدر على ذلك من اللفظ وأسررتها إلى صاحبها كما فعل ابن سيرين حين سئل عن الرجل الذي يفقأ بيضا من رؤوسه فيأخذ بياضه ويدع صفرته، فإنك لست من الرؤيا على يقين وإنما هو حدث وترجيح الظنون فإذا أنت أخبرت السائل بقبح ألحقت به شائبة لعلها لم تكن ولعله إن كانت منه أن برعوي ولا يعود (واعلم) أن أصل الرؤيا جنس وصنف وطبع فالجنس كالشجر والسباع والطير وهذا كله الأغلب عليه أنه رجال والصنف أن يعلم صنف تلك الشجرة من الشجر وذلك السبع من السباع وذلك الطائر من الطيور فإن كانت الشجرة نخلة كان ذلك الرجل من العرب لأن منابت أكثر النخل من بلاد العرب وإن كان الطائر طاووسا كان رجلا من العجم وإن كان ظليما كان بدويا من العرب والطبع أن تنظر ما طبع تلك لشجرة فتقضى على الشجرة بطبعها فإن كانت الشجرة جوزا قضيت على الرجل بطبعها بالعسر في المعاملة والخصومة عند المناظرة وإن كانت نخلة قضيت عليها بأنها رجل نفاع بالخير مخصب سهل حيث يقول الله عز وجل: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء}. يعني النخلة وإن كان طائرا علمت أنه رجل ذو أسفار كحال الطير ثم نظرت ما طبعه فإن كان طاووسا كان رجلا أعجميا ذا جمال ومال وكذلك إن كان نسرا كان ملكا وإن كان غرابا كان رجلا فاسقا غادرا كذبا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولأن نوحا عليه السلام بعث به ليعرف حال الماء أنضب أم لا فوجد جيفة طافية على الماء فوقع عليها ولم يرجع فضرب به المثل وقيل لمن أبطأ عليك أو ذهب فلم يعد إليك غراب نوح وإن كان عقعقا كان رجلا لا عهد له ولا حفظ ولا دين قال الشاعر:
ألا إنما الأمر حملتم عقعقا * له نحو علياء البلاد حنين
وإن كان عقابا كان سلطانا مخربا ظالما عاصيا مهيبا كحال العقاب ومخاليبه وجثته وقوته على الطير وتمزيقه لحومه
وينبغي لصاحب الرؤيا أن يتحرى الصدق ولا يدخل في الرؤيا ما لم ير فيها فيفسد رؤياه ويغش نفسه ويجعل عند الله تعالى من الآثمين
(وروى) عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قال لا رؤيا للخائف إلا ما يحب يعني في تأويلها بفرج أمره وذهاب خوفه
ومن الناس من يرى أنه أصاب وسقا من التمر فيصيب من المال مائة درهم وآخر قد يرى مثله فيصيب ألف درهم وآخر يرى مثله فهو له حلاوة دينه وصلاحه فيه وذلك من همة الرجال وأقدارها وإيثارها أمر دينها
ومنهم من يرى أنه أصاب من النبق عشرا فيصيب من الورق عشرة دراهم وآخر يرى مثله فيصيب ألف درهم وذلك من مجرى قدرهما وطبيعتهما
وأصدق الرؤيا رؤيا ملك أو مملوك وربما لم توافق طبيعة الإنسان في منامه موضعا معلوما يعرفه بعينه أو محلة أو دارا أو رجلا أو امرأة جميلة أو قبيحة أو معروفة أو مجهولة أو طائرا أو دابة أو علما أو صوتا أو طعاما أو شرابا أو سلاحا أو نحوه فهو به مولع كلما رآه في منامه أصابه هم أو خوف أو بكاء أو مصيبة أو شخوص أو غير ذلك مما يكره وهو فيما سواه من الرؤيا بمنزلة غيره من الناس في تأويلها وأمثالها
وربما وافقت طبيعة الإنسان في منامه بعض ما وصفت من ذلك فهو به مولع كلما رآه في منامه أصاب خيرا أو مالا أو ظفرا أو غير ذلك مما يحب وهو فيما سواه من الرؤيا بمنزلة غيره من الناس في تأويلها
وقد يكون الإنسان صدوقا في حديثه فتصدق رؤياه ويكون كذابا في حديثه ويحب الكذب فتكذب عامة رؤياه ويكون كذابا ويكره الكذب من غيره فتصدق رؤياه لذلك
ورؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار
وأصدق ساعات الرؤيا بالأسحار
وإذا كانت الرؤيا قليلة جامعة ليس فيها حشو الكلام وكثرته فهي أنفذ وأسرع وقوعا
وإياك إياك أن تحرف مسألة عن وجه تأويلها المعروف في الأصول أو تجاوز بها حدها المعلوم رغبة منك أو رهبة فيحق عليك بالكذب ويعمى عليك سبيل الحق فيه بل يسعك السكوت إن كرهت الكلام به
وإذا رأيت في منامك ما تكرهه فاقرأ إذا انتبهت من نومك آية الكرسي ثم اتفل عن يسارك وقل أعوذ برب موسى وعيسى وإبراهيم الذي وفى ومحمد المصطفى من شر الرؤيا التي رأيتها أن تضرني في ديني ودنياي ومعيشتي عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره
واعرف الأزمنة في الدهر فإذا كانت الشجرة عند حملها ثمارها فإن الرؤيا في ذلك الوقت مرجوة قوية فيها بطء قليل
(يتبع...)
@(تابع... 2): -الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أجل المرسلين سيدنا محمد وعلى... ...
وإذا كانت الرؤيا عند إدراك ثمر الشجرة ومنافعها واجتماع أمرها فإن الرؤيا عند ذلك ابلغ وأنفذ وأصح وأوفق
وإذا أورقت الشجرة ولم يطلع ثمارها فإن الرؤيا عند ذلك دون ما وصفت في القوة والبقاء دون الغاية
وإذا سقط ورقها وذهب ثمرها فإن الرؤيا عند ذلك اضعف والأضغاث والأحلام فيها عند ذلك أكثر
وإذا وردت عليك من صاحب الرؤيا في تأويل رؤياه عورة قد سترها الله عليه فلا تجبه منها بما يكره أن يطلع عليه مخلوق غيره إن كان مبتلى لا حيلة له، ولكن عرض له حتى يعلمها، إلا أن يكون له من ذلك مخرج أو يكون مصرا على معصية الله أو قد هم لها، فعظه عند ذلك واستر عليه كما أمر الله تعالى
واستر ما يرد عليك من الرؤيا في التأويل من أسرار المسلمين وعوراتهم ولا تخبر بها إلا صاحبها ولا تنطق بها عند غيره ولا تحكها عنه ولا تسمعه فيها إن ذكرتها
ولا تحك عن أحد مسألة رؤيا إن كان فيها عورة يكرهها فإنك إن فعلت ذلك اغتبت صاحبها
ولا تصدرن رأيك في مسألة حتى تفتشها وتعرف وجهها ومخرجها وقدرها واختلاف الطبائع التي وصفت لك فإنك عند ذلك تبصر ما عمل الشيطان في تخليطها وفسادها عليك وإدخال الشبهات والحشو فيها فإن أنت صفيتها من هذه الآفات التي وصفت لك ووجدت ما يحصل من كلام تأويل صحيحا مستقيما موافقا لحكمة فذلك تأويلها صحيح، وقد بلغني أن ابن سيرين كان يفعل كذلك وإذا وردت عليه رؤيا مكث فيها مليا من النهار يسأل صاحبها عن حاله ونفسه وصناعته وعن قومه ومعيشته وعن المعروف عنده من جميع ما يسأله عنه والمجهول منه ولا يدع شيئا يستدل به ويستشهد به على المسألة إلا طلب علمه
(واعلم) أن نفاذك في علم الرؤيا بثلاثة أصناف من العلم لا بد لك منها:
أولها: حفظ الأصول ووجوهها واختلافها وقوتها وضعفها في الخير أو في الشر لتعرف وزن كلام التأويل ووزن الأصول في الخفة والرجحان والوثائق فيما يرد من المسائل يدل بعضها على الشر وبعضها على الخير زن الأمرين والأصلين في نفسك وزنا على قوة كل أصل منهما في أصول التأويل ثم خذ بأرجحهما وأقواهما في تلك الأصول
والثاني: تأليف الأصول بعضها إلى بعض حتى تخلصها كلاما صحيحا على جوهر أصول التأويل وقوتها وضعفها وتطرح عنها من الأضغاث والتمني وأخوان الشيطان وغيرها مما وصف لك أو يستقر عندك أنها ليست رؤيا ولا يلتئم تأويلها فلا تقبلها
والثالث: شدة فحصلت وتثبتك في المسألة حتى تعرفها حق معرفتها وتستدل من سوى الأصول بكلام صاحب الرؤيا ومخارجه ومواضعه على تلخيصها وتحقيقها وذلك من أشد علم تأويل الرؤيا كما يزعمون وفي ذلك ما يكون من العلم بالأصول وبذلك يستخرج ويتوصل العابر وإلا فالاقتداء بالماضين من الأنبياء والرسل والحكماء في ذلك أقرب إلى الصواب إن شاء الله، فافهم.
وإن أردت أن تفهم وزن كلام الرؤيا في رجحان وزنه وخفته فاستدل بمسألة بلغني فها [فيها؟؟] عن ابن سيرين أن امرأة سألته أنها رأت في منامها رجلا مقيدا مغلولا فقال لها لا يكون هذا لأن القيد ثبات في الدين وإيمان والغل خيانة وكفر ولا يكون المؤمن كافرا قالت المرأة قد والله قد رأيت هذه الرؤيا بحال حسنة وكأني أنظر إلى الغل في عنقه في ساجو [ساجور؟؟] فلما سمع بذكر الساجور قال لها نعم قد تعرفت الآن لأن الساجور من خشب والخشب في المنام نفاق في الدين كما قال في المنافقين: {كأنهم خشب مسندة} فصار الساجور والغل جميعا وكل واحد منها تأويله نفاق وخيانة وكفر وهما في أمثال التأويل وأقوى من القيد وحده وليس معه شاهد يقويه، فهذا رجل يدعى إلى غير أبيه أو إلى غير قومه ويدعى إلى العرب وليس منهم. قالت المرأة إنا لله وإنا إليه راجعون.
وهكذا كل مسألة من الرؤيا معها شاهد أو شاهدان تدل على تحقيق التأويل كما قال الله تعالى يحكى رؤيا فرعون يوسف {إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف}... إلى آخر الآية، فالبقرات السمان هي السنون الخصبة والعجاف هي السنون الجدبة، وقال سبع سنبلات خضر وأخر يابسات وهي السنون المسماة في تأويل البقرات ولكنها صارت شاهدات لتحقيق هذه السنين في البقرات كما صار الساجور شاهدا للغل بتحقيق الخيانة والكفر
وليس نوع من العلم مما ينسب إلى المحكمة إلا يحتاج إليه في تأويل الرؤيا، حتى الحساب وحتى الفرائض والأحكام والعربية وغرابتها المعاني الأسماء وغيرها وما فيها من أمثال الحكمة وشرائع الدين والمناسك والحلال والحرام والصلاة والوضوء وغير ذلك من العلم، والاختلاف فيه يقاس عليه ويؤخذ منه. فليكن ما في يدك من الأصول المفسرة لك أوفق عندك مما يأتيك به صاحب الرؤيا ليزيلك عنها وإن [وإن كان؟؟] ثقة صدوقا عندك
(واعلم) أنه لم يتغير من أصول الرؤيا القديمة شيء ولكن تغيرت حالات الناس في هممهم وآدابهم وإيثارهم أمر دنياهم على آخرتهم، فلذلك ضار الأصل الذي كان تأويله همة الرجل وبغيته وكانت تلك الهمة دينه فتحولت تلك الهمة عن دينه وإيثاره إياه فصارت في دنياه متاعها وغضارتها وهي أقوى الهمتين عند الناس اليوم إلا أهل الدين والزهد في الدنيا، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون التمر فيتأولونه حلاوة دينهم، ويرون العسل فيتأولونه قراءة القرآن والعلم والبر وحلاوة ذلك في قلوبهم فصارت تلك الحلاوة اليوم والهمة في عامة الناس في دينهم وغضارتها إلا القليل ممن وصفت
وقد يرى الكافر الرؤيا الصادقة حجة لله عليه ألا ترى فرعون يوسف رأى سبع بقرات كما أخبر الله تعالى في كتابه فصدقت رؤياه، ورأى بختنصر زوال ملكه وعظيم ما يبتلى به فصدقت رؤياه على ما عبرها له دانيال الحكيم، ورأى كسرى زوال ملكه فصدقت رؤياه فاعرف هذا المجرى في التأويل واعتبر عليه ترشد إن شاء الله تعالى.
*2*مقدمة الأستاذ أبو سعيد الواعظ رضى الله عنه
& (بسم الله الرحمن الرحيم)
@-الحمد لله الذي جعل الليل لباسا والنوم سباتا والنهار نشورا والحمد لله الأبدي السابق القوي الخالق الوفي الصادق الذي لا يبلغ كنه مدحه الناطق ولا يعزب عنه ما تجن الغواسق فهو حي لا يموت ودائم لا يفوت وملك لا يبور وعدل لا يجوز عالم الغيوب وغافر الغيوب وغافر الذنوب وكاشف الكروب وساتر العيوب دانت الأرباب لعظمته وخضعت الصعاب لقوته وتواضعت الصلاب لهيبته وانقادت الملوك لملكه فالخلائق له خاشعون ولأمره خاضعون وإليه راجعون تعالى الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم انتخب محمدا من خلقه واصطفاه من بريته واختاره وأيده بحكمته وسدده بعصمته وأرسله بالحق بشيرا بعقوبته مباركا على أهل دعوته فبلغ ما أرسل به ونصح لأمته وجاهد في ذات ربه وكان كما وصفه ربه عز وجل رحيما بالمؤمنين عزيزا على الكافرين صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين
(قال الأستاذ أبو سعيد الواعظ رضى الله عنه) أما بعد فإنه لما كانت الرؤيا الصحيحة في الأصل منبئة عن حقائق منبهة على عواقب إذ منها الآمرات والزجرات ومنها المبشرات والمنذرات وكيف لا تكون كذلك وهي من بقايا النبوة وأجزائها بل هي أحد قسمي النبوة فإن من الأنبياء صلوات الله عليهم من كان وحيه الرؤيا فهو نبي ومن كان وحيه على لسان الملك وهو في اليقظة فهو رسول وهذا هو الفرق بين الرسول والنبي
(وقد أخبرنا) أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الرفاء قال أخبرنا محمد بن المغيرة قال حدثنا مكي بن إبراهيم قال حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاثة: الرؤيا الصالحة بشرى من الله عز وجل ورؤيا المسلم التي يحدث بها نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به وليقم فليصل وقال أحب القيد وأكره الغل القيد الثابت في الدين
(وأخبرنا أبو عمر ومحمد بن جعفر بن محمد بن مطر) قال حدثنا حامد بن محمد بن شعيب قال حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا أيوب قال سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضوان الله عليها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى من بعدي من النبوة إلا المبشرات". قالوا يا رسول الله وما المبشرات قال: "الرؤيا الصالحة يراها الرجل لنفسه أو ترى له".
(أخبرنا) أبو عبد الله المهبلي قال حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرنا عقبة بن علقمة بن المعافري قال أخبرني الأوزاعي قال حدثنا بن أبي كثير حدثني عبادة ابن الصامت قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد غيرك هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له".
(وأخبرنا) أبو سهل بشر بن أحمد بن الفقيه قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا صدقة بن خالد قال حدثني ابن جابر قال حدثني عطاء الخراساني قال حدثني ابن ثابت بن شماس قال لما انزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية دخل ثابت بن قيس بيته وأغلق عليه بابه وطفق يبكي ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فقال إني رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملي قال لست منهم تعيش بخير وتموت بخير قال ثم أنزل الله تعالى:{إن الله يحب كل مختال فخور} فأغلق عليه بابه وطفق يبكي ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأخبره فقال إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي قال: "لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا ويدخلك الله الجنة". قال فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب فلما التقوا انكشفوا فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل على عهد مئذ؟؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حفر كل واحد منهما حفرة فأتيا فقاتلا حتى قتلا على ثابت يومئذ درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه قيس بن ثابت فقال إني أوصيك بوصية إياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس يستن في طوله وقد ألقى على الدرع برمة وفوق البرمة رجل فأت خالد بن الوليد فمره فليبعث إلى درعي فيأخذها فإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي فأتى الرجل خالد بن الوليد فاخبره فبعث إلى الدرع فأتي بها وحدث أبا بكر رضوان الله عليه برؤياه فأجاز وصيته ولم نعلم أحدا جيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس
(قال الأستاذ أبو سعيد رضى الله عنه) فهذه الأخبار التي رويناها تدل على أن الرؤيا في ذاتها حقيقة وأن لها حكما وأثرا وأول رؤيا في الأرض رؤيا آدم عليه السلام وهي ما أخبرناه به محمد بن عبد الله بن حمدويه قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس عن وهب بن منبه قال أوحى الله تعالى إلى آدم عليه السلام إنك قد نظرت في خلقي فهل رأيت لك فيهم شبيها قال لا يا رب وقد كرمتني وعظمتني فاجعل لي زوجا تشبهني أسكن إليها حتى توحدك وتبعدك معي فقال الله تعالى له نعم فألقى عليه النعاس فخلق منه حواء على صورته واراه في منامه ذلك وهي أول رؤيا كانت في الأرض فانتبه وهي جالسة عند رأسه فقال له ربه يا آدم ما هذه الجالسة التي عند رأسك فقال له آدم الرؤيا التي أريتني في المنام يا إلهي
(ومما يدل على تحقيق الرؤيا في الأصل) أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم رأى في المنام ذبح ابنه فلما استيقظ ائتمر لما أمر به في منامه ذلك قال الله عز وجل حكاية عنه {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}. فلما علم إبراهيم عليه السلام برؤياه وبذل جهده في ذلك إلى أن فرج الله عنه بلطفه علم به أن للرؤيا حكما ثم رؤيا يوسف عليه السلام وهي ما أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد قال أخبرنا الحسن بن محمد الأزهري قال حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس قال حدثني أبي عن وهب بن منبه إن يوسف بن يعقوب عليهما السلام رأى رؤيا وهو يومئذ صبي نائم في حجر أحد أخوته وبيد كل رجل منهم عصا غليظة يرعى بها السباع عن غنمه وليوسف عليه السلام قضيب خفيف دقيق صغير يتوكأ عليه ويقاتل به السباع عن غنمه ويلعب به وهو إذ ذاك صبي في الصبيان فلما استيقظ من نومه وهو في حجر أحد أخوته قال إلا أخبركم يا أخوتي برؤيا رأيتها في منامي هذا قالوا بلى فأخبرنا قال فإني رأيت قضيبي هذا غرز في الأرض ثم أتي بعصيكم كلها فغرزت حوله فإذا هو أضغرها وأقصرها فلم يزل يترقى في السماء ويطولها حتى طال عصيكم فثبت قائما في الأرض وتفرشت عروقه من تحتها حتى انقلعت عصيكم فثبت قائما وسكنت حوله عصيكم فلما قص عليهم هذه الرؤيا قالوا يوشك ابن راحيل أن يقول لنا أنتم عبيدي وأنا سيدكم ثم لبث بعد هذا سبع سنين ورأى فيها الكواكب والشمس والقمر فقال لأبيه {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}. فعرف يعقوب تأويل الرؤيا وخشي عليه إخوته فالقمر أبوه والشمس أمه والكواكب إخوته فقال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا وذكر إلى أن قال {ورفع أبويه على العرش} يعني أجلسهما على السرير وآواهم إلى منزله وخر له أبواه وإخوته سجدا تعظيما له وكانت تحية الناس في ذلك الزمان السجود ولم تزل تحية الناس السجود حتى جاء الله تعالى بالإسلام فذهب بالسجود وجاء بالمصافحة ثم إن يعقوب عليه السلام رأى في المنام قبل أن يصيب يوسف ما فعل إخوته وهو صغير كأن عشرة ذئاب أحاطت بيوسف ويعقوب على جبل ويوسف في السهل فتعاورته بينهم فأشفق عليه وهو ينظر إليه من فوق الجبل إذا انفرجت الأرض ليوسف فغار فيها وتفرقت عنه الذئاب فذلك قوله لبنيه إني أخاف أن يأكله الذئب ثم قصة موسى صلى الله عليه وسلم وهي ما ذكر وهب أن فرعون حلم حلما فظع به وهاله رأى كأن نارا خرجت من الشام ثم أقبلت حتى انتهت إلى مصر فلم تدع شيئا إلا أحرقته وأحرقت بيوت مصر كلها ومدائنها وحصونها فاستيقظ من نومه فزعا مرتاعا فجمع لها ملأ عظيما من قومه فقصها عليهم فقالوا له إن صدقت رؤياك ليخرجن من الشام من ولد يعقوب من يكون هلاك مصر وهلاك أهلها على يديه وهلاكك أيها الملك فعند ذلك أمر فرعون بذبح الصبيان حتى أظهر الله تعالى تأويل رؤياه ولم تغن عنه حيلته شيئا وربي موسى عليه السلام في حجره ثم أهلكه على يديه عزت قدرته وجلت عظمته ثم رؤيا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وهي ما أخبرنا أبو سهل بن أبي يحيى الفقيه قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا صدقة قال ابن جابر عن سليمان بن عامر الكلاعي قال حدثنا أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينما أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأخرجاني وأتيا بي جبلا وعرا فقالا لي أصعد فقلت لا أطيقه قالا إنا سنسهله لك قال فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بصوت شديد [فقلت؟؟] ما هذه الأصوات فقالوا هذا عواء أهل النار ثم انطلقا بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة [... ؟؟؟ ...] تسيل أشداقهم دما فقلت من هؤلاء قال هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم فقلت خابت اليهود والنصارى". قال سليمان فلا أدري أشيء سمعه أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قال برأيه "ثم انطلقا بي فإذا بقوم أشد منهم انتفاخا وأنتنهم ريحا كأن ريحهم المراحيض فقلت من هؤلاء قال هؤلاء الزانون والزواني قال ثم انطلقا بي فإذا بغلمان يلعبون بين نهرين فقلت من هؤلاء قال هؤلاء ذراري المسلمين ثم شرفا بي شرفا فإذا بنفر ثلاثة يشربون من خمر لهم فقلت من هؤلاء قال هؤلاء زيد وجعفر وابن رواحة ثم شرفا بي شرفا آخر فإذا بنفر ثلاثة قلت من هؤلاء قال هؤلاء إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وهم ينتظرونك
(وأخبرنا) أبو سعيد أحمد بن محمد بن إبراهيم قال حدثني علي بن محمد الوراق قال حدثنا أحمد بن محمد بن نصر قال أخبرنا يوسف بن بلال عن محمد بن مروان الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عند عائشة فاشتكى لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخوفنا عليه فبينما هو صلى الله عليه وسلم بين النائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه ما شكواه ليفهم عنهما صلى الله عليه وسلم قال طب قال من فعله به قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال أين صنعه قال في بئر ذي أروان قال فما دواؤه قال يبعث إلى تلك البئر فينزح ماؤها ثم ينتهي إلى صخرة فيقلعها فإذا فيها وتر في كربة عليها إحدى عشرة عقدة فيحرقها فيبرا إن شاء الله تعالى أما انه بعث إليها استخرجها قال فاستيقظ صلى الله عليه وسلم وقد فهم ما قيل له فبعث عمار بن ياسر ورهطا من أصحابه إلى تلك البئر وقد تغير ماؤها كأنه ماء الحناء قال فنزح ماؤها ثم انتهى إلى الصخرة فاقتلعها فإذا تحتها كربة وفي الكربة وتر فيه إحدى عشرة عقدة فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هاتان السورتان قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس هما إحدى عشرة آية فكلما قرأ آية انحلت عقدة فلما حل العقد قام النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما نشط من عقال قال وأحرق الوتر قال وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما وكان لبي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ذاكره النبي صلى الله عليه وسلم ولا رؤى في وجهه شيء فهذه جملة دالة على تحقيق أمر الرؤيا وثبتها في أخبار كثيرة يطول الكتاب بذكرها
(قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) لما رأيت العلوم تتنوع أنواعا منها ما ينفع في الدنيا دون الدين ومنها ما ينفع فيهما جميعا وكان علم الرؤيا من العلوم النافعة دينا استخرت الله في جمع صدر منه سالكا نهج الاختصار مستعينا الله في إتمامه على ما هو أرضى لديه وأحب إليه ومستعيذا به من وباله وفتنته والله تعالى ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل
(يتبع...)
@(تابع... 1): -الحمد لله الذي جعل الليل لباسا والنوم سباتا والنهار نشورا والحمد... ...
(قال الأستاذ أبو سعيد) يحتاج الإنسان إلى إقامة آداب لتكون رؤياه أقرب إلى الصحة فمنها أن يتعود الصدق في أقواله لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ومنها أن يحافظ على استعمال الفطرة جهده فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل أصحابه كل يوم هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا فيقصونها عليه فيعبرها لهم ثم سألهم أياما فلم يقص عليه أحد منهم رؤيا فقال لهم كيف ترون وفي أظفاركم الرفغ وذلك أن أظفارهم قد طالت وتقليمها من الفطرة ومنها أن ينام على طهر وقد روى عن أبي ذر رضي الله عنه قال أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الفجر وأن لا أنام إلا على طهر ومنها أن ينام على جنبه الأيمن فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء وروى أنه كان ينام على جنبه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خذه الأيمن ويقول اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك وروى أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا اتخذت مضجعها قالت اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة غير كاذبة نافعة غير ضارة حافظة غير ناسية وفي بعض الأخبار أن من سنة النائم أن يقول إذا أوى إلى فراشه اللهم أعوذ بك مت الاحتلام وسوء الأحلام وأن يتلاعب بي الشيطان في اليقظة والمنام
ثم الرؤيا على ضربين حق وباطل
فأما الحق فما يراه الإنسان مع اعتدال طبائعه واستقامة الهواء من حين تهتز الأشجار إلى حين يسقط ورقها، وأن لا ينام على فكرة وتمني شيء مما رآه في منامه ولا يخل بصحة الرؤيا جنابة ولا حيض
وأما الباطل منها فما تقدمه حديث نفس وهمة وتمن ولا تفسير لها وكذلك الاحتلام الموجب للغسل جار مجراه في أنه ليس تأويل وكذلك رؤيا التخويف والتخزين من الشيطان قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله}. ثم إن من السنة خصال يعملها الذي يرى في منامه ما يكره يتحول عن جنبه الذي نام عليه إلى الجنب الآخر ويتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقوم فيصلي ولا يحدث أحدا برؤياه وقد روى أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنني أرى في المنام رؤيا تحزنني فقال عليه السلام وأنا أيضا أرى في المنام ما يحزنني فإذا رأيت ذلك فاتفل عن يسارك ثلاثا وقل اللهم إني أسألك خير هذه الرؤيا وأعوذ بك من شرها. ومن ذلك أضغاث أحلام وهي أن يرى الإنسان كأن السماء صارت سقفا ويخاف أن يقع عليه وأن الأرض رحى تدور أو نبت من السماء أشجار وطلع من الأرض نجوم أو تحول الشيطان ملكا والفيل نملة وما أشبه ذلك ولا تأويل لها ومن ذلك رؤيا يراها الإنسان عند تشويش طبائعه كالدموي يرى الحمرة والمرطوب يرى الرطوبة والصفراوي يرى الصفوة والسوداوي يرى الظلمات والسواد والمحرور يرى الشمس والنار والحمام والمبرود يرى والممتلئ يرى الأشياء الثقيلة على نفسه فهذا النوع من الرؤيا لا تأويل له أيضا ثم إن أصدق الرؤيا ما كانت في نوم النهار أو نوم آخر الليل فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أصدق الرؤيا ما كان بالأسحار وروى أنه قال: أصدق الرؤيا رؤيا النهار لأن الله تعالى أوحى إلي نهارا
(وحكى) عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أنه قال أصدق الرؤيا رؤيا القيلولة
 (قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) ولصاحب الرؤيا آداب يحتاج إلى أن يتمسك بها وحدود ينبغي أن يتعداها وكذلك للمعبر فأما آداب صاحب الرؤيا فأن لا يقصها على حاسد وذلك أن يعقوب عليه السلام قال ليوسف لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ولا يقصها على جاهل فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال لا تقصص رؤياك إلا على حبيب أو لبيب وأن لا تكذب في رؤياك فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كذب في الرؤيا كلف يوم القيامة عقد شعيرتين ولا يقصها إلا سرا كما رأى سرا ولا يقصها على صبي أو امرأة والأولى أن يقص رؤياه في إقبال السنة وفي إقبال النهار دون إدبارهما ، وأما آداب المعبر فمنها أن يقول إذا قص عليه أخوه رؤيا خيرا رأيت فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قصت عليه رؤيا يقول خيرا تلقاه وشرا تتوقاه وخيرا لنا وشرا لأعدائنا الحمد لله رب العالمين أقصص رؤياك ومنها أن يعبرها على أحسن الوجوه فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا تقع على ما عبرت روى أنه قال الرؤيا على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت ومنها أن يحسن الاستماع إلى الرؤيا ثم يفهم السائل الجواب ومنها أن يتأنى في التعبير ولا يستعجل به ومنها أن يكتم عليه رؤياه فلا يفشيها فإنه أمانة ويتوقف في التعبير عند طلوع الشمس وعند الزوال وعند الغروب ومنها أن يميز بين أصحاب الرؤيا فلا يفسر رؤيا السلطان حسب رؤيا الرعية فإن الرؤيا تختلف باختلاف أحوال صاحبها والعبد إذا رأى في منامه ما لم يكن له أهلا فهو لمالكه لأنه ماله وكذلك المرأة إذا رأت ما لم تكن له أهلا فهو لزوجها لأنها خلقت من ضلعه وتأويل رؤيا الطفل لأبويه ومنها أن يتفكر في رؤيا تقص عليه فإن كانت خيرا عبرها وبشر صاحبها قبل تعبيرها وإن كانت شرا أمسك عن تعبيرها أو غيرها على أحسن محتملاتها فإن كان بعضها خيرا وبعضها شرا عارض بينهما ثم أخذ بأرجحهما وأقواهما في الأصول فإن أشكل عليه سأل القاص عن اسمه لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أشكل عليكم الرؤيا فخذوا بالأسماء وبيانه أن أسم سهل سهولة وسالم سلامة وأحمد ومحمد محمدة ونصر نصرة وسعاد سعادة وأيضا يعتبر في ذلك ما يستقبله في ذلك الوقت فإن استقبلته عجوز فهي دنيا مدبرة وإن استقبله برذون أو بغل أو حمار فهو سفر لقوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} وإن سمع في ذلك الوقت نعيق الغراب واحدة أو ثلاثا أو أربعا أو ستا فهو خير فأما الأربع فيسقط منها واحدة فيبقى ثلاثة والست خير لا يسمعها إلا الأكابر وإن سمع اثنتين فلا يستحب
(وحكى) عن ابن عباس أنه قال إذا نعق الغراب ثلاثا فهو خير وبالفارسية ديك وإذا نعق الغراب اثنتين فهو شر وبالفارسية بد ويكره أن يقص الرؤيا يوم الثلاثاء لأنه يوم إهراق الدماء ويوم الأربعاء لأنه يوم نحس مستمر ولا يكره سائر الأيام وفي هذا القدر الذي صدرنا به كتابنا غنيمة لمن تدبره وتأمل معانيه إذ لو بسطناه لأدى إلى الإبرام والملل وأرجو أن الله تعالى ينفعنا به ويعيذنا من علم لا ينفع وبطن لا يشبع ونفس لا تخشع ودعاء لا يسمع ومن طبع يهدى إلى طمع ومن طمع حيث لا مطمع إنه تعالى القادر على ما يشاء الفعال لما يريد وحسبي الله ونعم الوكيل.
*1* (الباب الأول) في تأويل رؤيا العبد نفسه بين يدي ربه عز وجل في منامه
@أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هارون بِعَكّا قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأوزاعي قال أخبرني عبد الرحمن بن واصل أبو زرعة الحاضري قال حدثنا أبو عبد الله التتري قال رأيت في منامي كأن القيامة قد قامت وقمت من قبري فأتيت بدابة فركبتها ثم عرج بي إلى السماء فإذا فيها جنة وأردت أن أنزل فقيل لي ليس هذا مكانك فعرج بي إلى سماء سماء في كل سماء منها جنة حتى صرت إلى أعلى عليين ثم أردت أن أقعد فقيل لي تقعد قبل أن ترى ربك عز وجل قلت لا فقمت فساروا بي فإذا بالله تبارك وتعالى قدامه آدم عليه السلام فلما رآني آدم أجلسني يمينه جلسة المستغيث قلت يا رب قد أفلجت على الشيخ بعفوك فسمعت الله تعالى يقول قم يا آدم قد عفونا عنك (أخبرنا) أبو علي الحسن ابن محمد الزبير قال حدثنا محمد بن المسيب قال حدثنا عبد الله بن جنيف قال حدثني ابن أخت بشر بن الحارث قال جاء رجل إلى بشر فقال أنت بشر بن الحارث قال نعم قال رأيت الرب عز وجل في المنام وهو يقول ائت بشرا فقل له لو سجدت لي على الجمر ما أديت شكري لما بينت اسمك في الناس (أخبرنا) أحمد بن أبي عمر أن الصوفي بمكة حرسها الله تعالى قال أخبرني أبو بكر الطرسوسي قال: قال عثمان الأحوال تلميذ الخراز بات عندي أبو سعيد فلما مضى ثلث الليل صاح بي يا عثمان قم فأسرج فقمت فأسرجت فقال لي ويحك رأيت الساعة كأني في الآخرة والقيامة قد قامت فنوديت فأوقفت بين يدي ربي وأنا أرعد لم يبق علي شعرة إلا قد قامت فقال أنت الذي تشير إلى في السماع إلى سلمى وبثينة لولا أعلم أنك صادق في ذلك لعذبتك عذابا لا أعذبه لأحد من العالمين (قال الأستاذ أبو سعيد) رضي الله عنه من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله تعالى والله تعالى ينظر إليه فإن كان الرائي من الصالحين فرؤياه رؤيا رحمة وإن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر لقوله تعالى {يوم يقوم الناس لرب العالمين} فإن رأى كأنه يناجيه أكرم بالقرب وحبب إلى الناس قال الله تعالى {وقربناه نجيا} وكذلك لو رأى أنه ساجد بين يدي الله تعالى لقوله تعالى {واسجد واقترب} فإن رأى أنه يكلمه من وراء حجاب حسن دينه وأدى أمانة إن كانت في يديه وقوى سلطانه وإن رأى أنه يكلمه من غير حجاب فإنه يكون خطأ في دينه لقوله تعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} فإن رآه بقلبه عظيما كأنه سبحانه قربه وأكرمه وغفر له أو حاسبه أو بشره ولم يعاين صفة لقي الله تعالى في القيامة كذلك فإن رآه تعالى قد وعده بالمغفرة والرحمة كان الوعد صحيحا لاشك فيه لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد ولكنه يصيبه بلاء في نفسه أو معيشته ما دام حيا فإن رآه تعالى كأنه يعظه انتهى عما لا يرضاه الله تعالى لقوله تعالى {يعظكم لعلكم تذكرون} فإن كساه ثوبا فهو هم وسقم ما عاش ولكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير فقد حكى أن بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين فلبسهما مكانه فسأل ابن سيرين فقال استعد لبلائه فلم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى فإن رأى نورا تحير فيه فلم يقدر على وصفه لم ينتفع بيديه ما عاش فإن رأى أن الله تعالى سماه باسمه أو اسم آخر علا أمره وغلب أعداءه فإن أعطاه شيئا من متاع الدنيا فهو بلاء يستحق به رحمته فإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه فإن رأى كأن أبويه ساخطان عليه دل ذلك على سخط الله عليه لقوله عز اسمه {اشكر لي ولوالديك} وقد روى في بعض الأخبار رضا الله تعالى في رضا الوالدين وسخط الله تعالى في سخط الوالدين وقيل (من رأى) كأن الله تعالى غضب عليه فإنه يسقط من مكان رفيع لقوله تعالى {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى}. ولو رأى كأنه سقط من حائط أو سماء أو جبل دل على غضب الله تعالى عليه فإن رأى نفسه بين يدي الله عز وجل في موضع يعرفه انبسط العدل والخصب في تلك البقعة وهلك ظالموها ونصر مظلوموها فإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك وتعالى نال نعمة رحمة فإن رأى مثالا أو صورة فقيل له إنه إلهك أو ظن أنه إلهه سبحتنه فعبده وسجد له فإنه منهمك في الباطل على تقدير أنه حق وهذه رؤيا من يكذب على الله تعالى فإن رأى كأنه يسب الله تعالى فإنه كافر لنعمة ربه عز وجل غير راض بقضائه.
*1* (الباب الثاني) في رؤيا الأنبياء والمرسلين عموما ورؤيا محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا
@سمعت أبا بكر أحمد بن الحسين بن مهر أن المقري قال اشتريت جارية أحسبها تركية ولن تكن تعرف لساني ولا أعرف لسانها وكان لأصحابي جوار يترجمن عنها قال فكانت يوما من الأيام نائمة فانتهت وهي تبكي وتصيح وتقول يا مولاي علمني فاتحة الكتاب فقلت في نفسي انظر إلى خبسها تعرف لساني ولا تكلمني به فاجتمع جواري أصحابي وقلن لها لم تكوني تعرفين لسانه والساعة كيف تكلمينه فقالت الجارية إني رأيت في منامي رجلا غضبان وخلفه قوم كثير وهو يمشي فقلت من هذا فقالوا موسى عليه السلام ثم رأيت رجلا أحسن منه ومعه قوم وهو يمشي فقلت من هذا فقالوا محمد صلى الله عليه وسلم فقلت أنا أذهب مع هذا فجاء إلى باب كبير وهو باب الجنة فدق ففتح له ولمن معه ودخلوا وبقيت أنا وامرأتان فدققنا الباب ففتح وقيل من يحسن أن يقرأ فاتحة الكتاب يؤذن لها فقرأتاها فأذن لهما وبقيت أنا فعلمني فاتحة الكتاب فعلمتها مع مشقة كبيرة فلما حفظتها سقطت ميتة (قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله) رؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم أحد شيئين إما بشارة وإما إنذار ثم هي ضربان أحدهما أن يرى نبيا على حالته وهيئته فذلك دليل على صلاح صاحب الرؤيا وعزه وكما له وجاهه وظفر بمن عاداه والثاني يراه متغير الحال عابس الوجه فذلك يدل على سوء حاله وشدة معصيته ثم يفرج الله عن أخيرا فإن رأى كأنه قتل نبيا دل على أنه يخون في الأمانة وينقض العهد لقوله تعالى {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق}. هذا على الجملة وأما على التفصيل فإن رأى آدم عليه السلام على هيئته نال ولاية عظيمة إن كان أهلا لها لقوله تعالى {إني جاعل في الأرض خليفة}. فإن رأى أنه كلمه نال علمه لقوله تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها}. وقيل إن (من رأى) آدم اغتر بقول بعض أعدائه ثم فرج عنه بعد مدة فإن رأى متغير اللون والحال دل ذلك على انتقال من مكان إلى مكان ثم على العود إلى المكان الأول أخيرا
(ومن رأى) شيثا عليه السلام نال أموالا وأولادا وعيشة راضية
(ومن رأى) إدريس أكرم بالورع وختم له بخير
(ومن رأى) نوحا عليه السلام طال عمره وكثر بلاؤه من أعدائه ثم رزق الظفر بهم وكثر شكره لله تعالى لقوله تعالى {إنه كان عبدا شكورا}. وتزوج امرأة دينية فولدت له أولادا
(ومن رأى) هودا عليه السلام تسفه عليه أعداؤه وتسلطوا على ظلمه ثم رزق الظفر بهم وكذا (من رأى) إبراهيم عليه السلام رزق الحج إن شاء الله وقيل إنه يصيبه أذى شديد من سلطان ظالم ثم ينصره الله تعالى عليه وعلى أعدائه ويكثر الله النعمة ويرزقه زوجة صالحة وقيل إن رؤية إبراهيم عليه السلام عقوق الأب وحكى أن سماك بن حرب كف فرأى في منامه كأن إبراهيم عليه السلام مسح على عينيه وقال ائت الفرات فاغتمس فيه يرد الله عليك بصرك فلما انتبه فعل ذلك فأبصر
(ومن رأى) إسحاق عليه السلام أصابه شدة من بعض الكبراء أو الأقرباء ثم يفرج الله عنه ويرزق عزا وشرفا وبشارة ويكثر الملوك والرؤساء والصالحون من نسله هذا إذا رآه على جماله وكمال حاله فإن رآه متغير الحال ذهب بصره نعو بالله
(ومن رأى) إسماعيل عليه السلام رزق السياسة والفصاحة وقيل إنه يتخذ مسجدا أو يعين عليه لقوله تعالى {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}. وقيل إن من رآه أصابه جهد من جهة أبيه ثم يسهل الله ذلك عليه
(ومن رأى) يعقوب عليه السلام أصابه حزن عظيم من جهة بعض أولاده ثم يكشف الله تعالى ذلك عنه ويؤتيه محبوبه
(ومن رأى) يوسف عليه السلام فإنه يصيبه ظلم وحبس وجفاء من أقربائه ويرمى بالبهتان ثم يؤتى ملكا وتخضع له الأعداء فقد قيل في التعبير إن الأخ عدو وهذه دليل على كثرة صدقة صاحبها لقوله تعالى {وتصدق علينا}. وقد حكى أن بعض الناس رأى كأن عليه السلام ناوله إحدى خفيه فانتبه وقد صار معبرا وحكى أن إبراهيم بن عبد الله الكرماني رأى كأن يوسف عليه السلام كلمه فقال له علمني مما علمك الله فكساه قميص نفسه فاستيقظ وهو أحد المعبرين وعن ابن سيرين رأيت في المنام كأني دخلت الجامع فإذا أنا بمشايخ ثلاثة وشاب حسن الوجه إلى جانبهم فقلت للشاب من أنت رحمك الله قال أنا يوسف قلت فهؤلاء المشيخة قال آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقلت علمني مما علمك الله قال ففتح فاه وقال انظر ماذا ترى فقلت أرى لسانك ثم فتح فاه فقال انظر ماذا ترى فقلت لهاتك ث مفتح فاه فقال انظر ماذا ترى قلت أرى قلبك فقال عبر ولا تخف فأصبحت وما قصت علي رؤيا إلا وكأني انظر إليها في كفي
(ومن رأى) يونس عليه السلام فإنه يستعجل في أمر يورثه ذلك حبسا وضيقا ثم ينجيه الله تعالى وهذه الرؤيا تدل على أن صاحبها يسرع الغضب والرضا ويكون بينه وبين قوم خائنين معاملة
(ومن رأى) شعبيا عليه السلام مقشعرا فإنه يذهب بصره فإن رآه على غير تلك الحالة فإنه يبخسه قوم حقه عليهم ويظلمونه ثم يقهرهم وربما دلت هذه الرؤيا على أن صاحبها له بنات
(ومن رأى) موسى وهارون عليهما السلام أو أحدهما فإنه يهلك على يديه جبار ظالم وإن رآهما وهو قاصد حربا رزق الظفر وحكى أن جارية لسعيد بن المسيب رأت كأن موسى عليه السلام ظهر بالشام وبيده عصا وهو يمشي على الماء فأخبرت سعيدا برؤياها قال إن صدقت رؤياك فقد مات عبد الملك بن مروان فقيل له بم علمت ذلك قال لأن الله تعالى بعث موسى ليقسم الجبارين وما أجد هنالك إلا عبد الملك بن مروان فكان كما قال
(ومن رأى) أيوب عليه السلام ابتلى في نفسه وماله وأهله وولده ثم يعوضه الله من كل ذلك ويضاعف له لقوله تعالى {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم}.
(ومن رأى) داود عليه السلام على حالته أصاب سلطانا وقوة وملكا
(ومن رأى) سليمان عليه السلام رزق الملك والعلم والفقه فإن رآه ميتا على منبر أو سرير فإنه يموت خليفة أو أمير أو رئيس لا يعلم بموته إلا بعد مدة وقيل (من رأى) سليمان انقاد له الولي والعدو وكثرت أسفار
(ومن رأى) زكريا عليه السلام رزق على كبر ولدا تقيا
(ومن رأى) يحيى عليه السلام وفق للعفة والتقوى والعصمة حتى يصير في ذلك واحد عصره
(ومن رأى) عيسى عليه السلام دلت رؤياه على أنه رجل نفاع مبارك كثير الخير كثير السفر ويكرم بعلم الطب وبغير ذلك من العلوم (أخبرنا) الشريف أبو القاسم جعفر بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال أخبرنا أبو القاسم عيسى بن سليمان البغدادي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا موسى بن جعفر الرضا عن أبيه عن جده قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما رأيت عيسى ابن مريم عليه السلام في النوم فقلت يا روح الله إني أريد أن أنقش على خاتمي فما أنقش عليه قال انقش عليه لا إله إلا الله الملك الحق المبين فإنه يذهب الهم والغم وقيل إن رأت امرأة عيسى عليه السلام وهي حامل ولدت ابنا حكيما
(ومن رأى) مريم بنت عمران فإنه ينال جاها ورتبة من الناس ويظفر بجميع حوائجه وإن رأت امرأة هذه الرؤيا وهي حامل أيضا ولدت أيضا ابنا حكيما وإن افترى عليها برئت من ذلك وأظهر الله براءها
(ومن رأى) أنه يسجد لمريم فإنه يكلم الملك ويجلس معه
(ومن رأى) دانيال الحكيم رزق حظا وافرا وعلم الرؤيا وظفر بجبار بعد أن تصيبه منه شدة وقيل إنه يصير أميرا أو وزيرا (وحكي) أن أبا عبد الله الباهلي رأى كأنه حمل دانيال على عاتقه فوضعه على جدار وحياه فكلمه وقال له أبشر فإنك دخلت في جملة ورثة الأنبياء وصرت إماما من جملة المعبرين
(ومن رأى) الخضر عليه السلام دل على ظهور الخصب والسعة بعد الجدوبة والأمن بعد الخوف وقال بعضهم (من رأى) كأن بعض الأنبياء ضربه نال مناه في الدنيا دينا ودنيا
(ومن رأى) كأنه نفسه تحول نبيا معروفا نالته الشدائد بقدر مرتبة ذلك النبي في البلاء ويكون آخر أمره الظفر أو يصير داعيا إلى الله سبحانه وتعالى
(رؤيا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم) (أخبرنا) أبو القاسم عمر بن محمد البصري بتنيس قال حدثنا علي بن مسافر قال أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمي قال أخبرني أبو بشر عن ابن شهاب قال أبو سلمة بن عبد الرحمن إن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل بي قال أبو قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رآني فقد رأى الحق
(وأخبرنا) أبو الحسن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بدمشق قال حدثني أبو أيوب سليمان بن محمد الخزاعي عن محمد بن المصفى الحمصي عن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن مسلم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رآني في المنام فلن يدخل النار
(وحدثنا) أبو بكر بن محمد بن أحمد بن محمد الأصفهاني بمكة حرسها الله تعالى في المسجد الحرام قال حدثنا أبو الحسن محمد بن سهل عن محمد بن المصفى عن بكر بن سعيد عن سعيد بن قيس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل النار من رآني في المنام
(قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) قد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فطوبى لمن رآه في حياته فاتبعه وطوبى لمن يراه في منامه فإنه إن رآه مديون قضى الله دينه وإن رآه مريض شفاه الله وإن رآه محارب نصره الله وإن رآه مسرور حج البيت وإن رُؤِيَ في أرض جدبة أخضبت أو في موضع قد فشا فيه الظلم بدل الظلم عدلا أو في موضع مخوف أمن أهله هذا إذا رآه على هيئته وإن رآه شاحب اللون مهزولا أو ناقصا بعض الجوارح فذلك يدل على وهن الدين في ذلك المكان وظهور البدعة وكذلك إن رأى كسوته رثه وإن رأى أنه شرب دمه حبا له في خفية فإنه يستشهد في الجهاد وإن رأى أنه شربه علانية دل على نفاقه ودخل في ذم أهل بيته وأعان على قتلهم فإن رآه كأنه مريض فأفاق من مرضه فإن أهل ذلك المكان يصلحون بعد الفساد وإن رآه عليه السلام راكبا فإنه يزور قبره راكبا وإن رآه راجلا توجه إلى زيارته راجلا وإن رآه قائما استقام أمره وأمر إمام زمانه وإن رآه يؤذن في مكن خراب عمر ذلك المكان وإن رآه كأنه يؤاكله فذلك أمر منه إياه بإيتاء زكاة ماله فإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فإنه يموت من نسله واحد وإن رأى جنازته في بقعة حدثت في تلك البقعة مصيبة عظيمة فإن رأى أنه شيع جنازته حتى قبره فإنه يميل إلى البدعة وإن رأى أنه قد زار قبره أصاب مالا عظيما وإن رأى كأنه ابن النبي وليس من نسله دلت رؤياه على خلوص إيمانه وإن رأى كأنه أبو النبي عليه السلام دل على وهن وضعف إيمانه ويقينه ورؤية الرجل الواحد رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه لا تخص بل تعم جماعة المسلمين
(روي) أن أم الفضل قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (رأيت في المنام كان بضعة من جسدك قطعت فوضعت في حجري) . فقال خيرا رأيت تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيوضع في حجرك فولدت فاطمة الحسين عليهما السلام فوضع في حجرها وروي أن امرأة قالت يا رسول الله رأيت في المنام كأن بعض جسدك في بيتي قال: (تلد فاطمة غلاما فترضعيه) . فولدت الحسين فأرضعته فإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه شيئا من مستحب متاع الدنيا أو طعام أو شراب فإنه خير يناله بقدر ما أعطاه وإن كان ما أعطاه رديء الجوهر مثل البطيخ وغيره فإنه ينجو من أمر عظيم إلا أنه يقع به أذى وتعب فإن رأى أن عضوا من أعضائه عليه السلام عند صاحب الرؤيا قد أحرزه فإنه على بدعة في شرائعه قد استمسك بها دون سائر الشرائع من الإسلام وترك سواها دون سائر المسلمين
(يتبع...)
@(تابع... 1): سمعت أبا بكر أحمد بن الحسين بن مهر أن المقري قال اشتريت جارية أحسبها... ...
(سمعت) أبا الحسن علي بن محمد البغدادي بمشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: قال ابن أبي طيب الفقير كان بي طرش عشر سنين فأتيت المدينة وبت بين القبر والمنبر فرأيت نبي الله في المنام فقلت يا رسول الله أنت قلت من سأل لي الوسيلة وجبت له شفاعتي قال عافاك الله ما هكذا قلت ولكني قلت من سأل الوسيلة من عند الله وجبت لهل شفاعتي قال فذهب عني الطرش ببركة قوله عافاك الله. وحكى عبد الله الجلاء قال دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي فاقة فتقدمت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وعلى صاحبيه رضوان الله عليهما ثم قلت يا رسول الله بي فاقة وأنا ضيفك ثم تنحيت ونمت دون القبر فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلي فقمت فدفع إلي رغيفا فأكلت بعضه وانتبهت وفي يدي بعض الرغيف. وعن أبي الوفا القاري الهروي قال رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم في المنام بفرغانة سنة ستين وثلاثمائة وكنت أقرأ عند السلطان وكانوا لا يسمعون ويتحدثون فانصرفت إلى المنزل مغتما فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه تغير لونه فقال لي عليه السلام أتقرأ القرآن كلام الله عز وجل بين يدي قوم يتحدثون ولا يسمعون قراءتك لا تقرأ بعدها هذا إلا ما شاء الله فانتبهت وأنا ممسك للسان أربعة أشهر فإذا كانت لي حاجة أكتبها على الرقاع فحضرني أصحاب الحديث وأصحاب الرأي فأفتوا بأني آخر الأمر أتكلم فإنه قال إلا ما شاء الله وهو استثناء فنمت بعد أربعة أشهر في الموضع الذي كنت نمت فيه أولا فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يتهلل وجهه فقال لي قد تبت قلت نعم يا رسول الله قال من تاب تاب الله عليه أخرج لسانك فمسح لساني بسبابته وقال إذا كنت بين يدي قوم تقرأ كتاب الله فاقطع قراءتك حتى يسمعوا كلام الله فانتبهت وقد انفتح لساني بحمد الله. ومنه ما حكى أن رجلا من المياسير مرض فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة كأنه يقول له إن أردت العافية من مرضك فخذ لا ولا فلما استيقظ بعث إلى سفيان الثوري رضي الله عنه بعشرة آلف درهم وأمره أن يفرقها على الفقراء وسأله عن تعبير الرؤيا فقال معنى قوله لا ولا الزيتونة فإن الله تعالى وصفها في كتابه فقال {لا شرقية ولا غربية} وفائدة مالك ارتفاق الفقراء بك قال فتداوى بالزيتون فوهب الله له العافية ببركة استعماله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه رؤياه وبلغنا أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكا إليه ضيق حاله فقال له اذهب إلى عيسى وقل له يدفع إليك ما تصلح به أمرك فقال يا رسول الله بأي علامة قال قل له بعلامة أنك رأيتني على البطحاء وكنت على نشز من الأرض فنزلت وجئتني فقلت ارجع إلى مكانك قال وكان علي بن عيسى قد عزل فردت إليه الوزارة فلما انتبه جاء إلى علي بن عيسى وهو يومئذ وزير فذكر قصته فقال صدقت فدفع إليه أربع مائة دينار فقال اقض بهذه دينك ودفع إليه أربعمائة دينار أخرى وقال اجعلها رأس مالك فإذا أنفقت لك ارجع إلي وذكر رجل يعرف عرادك من أهل البصرة وكان يبيع الطيالسة قال بعت ساجا من بعض ولاة الأهواز وكنت أختلف إليه في ثمنه فسب أبا بكر وعمر رضوان الله عليهم فمنعتني هيبته من الرد عليه فانقلبت وأنا مغموم فبت ليلتي كذلك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له يا رسول الله إن فلانا سب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال ائتني به فجئت به فقال أضجعه فأضجعته فقال اذبحه فتعاظم الذبح في عيني فقلت يا رسول الله أذبحه فقال لي اذبحه حتى قال ثلاث مرات فأمررت السكين على حلقه فذبحته فلما أصبحت قلت أذهب إليه أعظه وأخبره بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت فلما بلغت داره سمعت الولولة فقيل إنه مات وأتى ابن سيرين رجل غير مهتم في دينه قلقا فقال إني رأيت البارحة في النوم كأني قد وضعت رجلي على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هل بت البارحة مع خفيك قال نعم قال فاخلعهما فخلعتهما فكان تحت إحدى رجليه درهم عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*1* (الباب الثالث) في رؤية الملائكة عليهم السلام
@سمعت أبا الفضل أحمد بن عمر الهروي بمكة حرسها الله تعالى قال سمعت أبا بكر بن القاري يقول سمعت أبا بكر جعفر بن الخياط الشيخ الصالح يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم جالسا ومعه جماعة من الفقراء متسمين بالتصوف فإذا بالسماء قد انشقت فنزل جبريل ومعه ملائكة بأيديهم الطسوت والأباريق فكانوا يصبون الماء على أيدي الفقراء ويغسلون أرجلهم فلما بلغوا إلي مددت يدي فقال بعضهم لبعض لا تصبوا الماء على يديه فإنه ليس منهم فقلت يا رسول الله فإن كنت لست منهم فإني أحبهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن مع من أحب فصب الماء على يدي حتى غسلتهما (قال الأستاذ أبو سعيد) رضي الله عنه رؤية الملائكة في النوم إذا كانوا معروفين مستبشرين تدل على ظهور شيء لصاحب الرؤيا وعز وقوة وبشارة ونصرة بعد ظلم وشفاء بعد مرض أو أمن بعد خوف أو يسر بعد فقر أو فرح بعد شدة وتقتضي أن يحج صاحبها ويغزو فيستشهدون فإن رأى كأنه يعادي جبريل وميكائيل أو يجادلهما فإنه في أمر يحل به نقمة الله تعالى من ساعة إلى ساعة وكان رأيه موافقا لرأي اليهود نعوذ بالله وإن رأى أنه أخذ من جبريل طعاما فإنه يكون من أهل الجنة إن شاء الله وإن رآه حزينا مهموما أصابته شدة وعقوبة لأنه ملك العقوبة
(ومن رأى) ميكائيل عليه السلام فإنه ينال مناه في الدارين إن كان تقيا وإن لم يكن تقيا فليحذر فإن رآه في بلدة أو قرية مطر أهلها مطرا ورخصت الأسعار فيها فإن كلم صاحب الرؤيا أو أعطاه شيئا فإنه ينال نعمة وسرورا لأنه ملك الرحمة
(ومن رأى) إسرافيل عليه السلام محزونا ينفخ في الصور وظن أنه سمعه وحده دون غير فإن صاحب الرؤيا يموت فإن كان يظن أن أهل ذلك الموضع سمعوه ظهر في ذلك الموضع موت ذريع وقيل إن هذه الرؤيا تدل على العدل بعد انتشار الظلم وعلى هلاك الظلمة في تلك الناحية
(ومن رأى) ملك الموت عليه السلام مسرورا مات شهيدا فإن رآه باسرا ساخطا مات على غير توبة
(ومن رأى) كأنه يصارعه فصرعه مات فإن لم يكن صرعه أشفى على الموت ثم نجاه الله وقيل (من رأى) ملك الموت طال عمره. وحكى عن حمزة الزيات قال رأيت ملك الموت في النوم فقلت يا ملك الموت نشدتك الله هل لي عند الله من خير قال نعم وآية ذلك أنك تموت بحلوان فمات بحلوان فإن رأى كأنه ابنا عالما ملكا من الملائكة يبشره بابن رزق ابنا عالما رضيا وجيها لقوله تعالى {إن الله يبشرك بكلمة منه}. الآية وقوله {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}. وإن رأى ملائكة بأيديهم أطباق الفواكه خرج من الدنيا شهيدا وإن رأى ملكا من الملائكة دخل عليه داره فليحذر دخول اللص داره وإن رأى كأن ملكا أخذ منه سلاحه فإنه تذهب قوته ونعته وربما فارق امرأته وإن رأى كأن الملائكة في موضع وهو يخافهم وقع في ذلك الموضع فتنة وحرب وإن رأى كأن الملائكة في موضع حرب ظفر بالأعداء وإن رآهم راكعين بين يديه أو ساجدين له نال أمانيه وعلا ذكره وأمره فإن رأى أنه يصارع ملكا نال هما وذلا بعد العز وإن رأى مريض كأن ملكا يواقع قرب موته وإن رأى كأن الملائكة هبطت من السماء إلى الأرض على هيئتها فذلك دليل على أهل الحق وذل أهل الباطل ونصرة المجاهدين فإن رآهم على صورة النساء فإنه يكذب على الله تعالى لقوله تعالى {أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما}. وإن رأى أنه يطير مع الملائكة أو يصعد معهم إلى السماء ولا يرجع نال شرفا في الدنيا ثم يستشهد وإن رأى كأنه ينظر إلى الملائكة أصابته مصيبة لقوله تعالى: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين} وإن رأى كأن الملائكة يلعنونه فذلك دليلا وهن دينه وإن رأى كأن الملائكة بضجون خرب بيته ومسكنه وإن رأى رهطا من الملائكة في بلد أو محلة أو قرية فإنه يموت هناك عالم أو زاهد أو يقتل رجل مظلوم أو تهدم دار على قوم وإن رأى كأن الملائكة يصنعون مثل صناعته دل ذلك على ارتفاقه بصناعته فإن كان رجلا من أهل الخير أصاب شرا وإن لم يكن من أهل الخير فليحذر لقوله تعالى {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}. وإن رأى الملائكة في موضع على خيل هلك هناك جبارا وإن رأى طيور ولا يعرف أعيانها فهي ملائكة رؤيتهم في المنام في المكان دليل على قام من الظالمين ونصر المظلومين
(ومن رأى) الكرام الكاتبين نال السرور والفرح في الدنيا والآخرة ورزق حسن الخاتمة إن كان من أهل الصلاح وإلا خيف عليه لقوله تعالى {كراما كاتبين} {يعلمون ما تفعلون}. وقد قال بعض أهل العلم بهذه الصناعة أن رؤية الملك في صورة شيخ دليل على الزمان الماضي ورؤيته في صورة الشبان دليل على الزمن الحاضر ورؤيته في صورة صبي دليل على الزمان المستقبل
(ومن رأى) كأنه صار في صورة ملك فإن كان شدة نال الفرج وإن كان في رق عتق وإن كان شريفا نال رياسة وإن كان مريضا دلت هذه الرؤيا على موته
(ومن رأى) كأن الملائكة يسلمون عليه أتاه الله بصيرة في حياته وختم له بالخير وحكى أن شمويل اليهودي التاجر رأى في منامه وكان في سفر كأن الملائكة يصلون عليه فسأل معبرا فقال إنك تدخل في دين الله وشريعة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور}. فأسلم وهداه الله وكان سبب إسلامه أنه وارى رجلا مديونا فقيرا عن غريم له كان يطلبه.
*1* (الباب الرابع) في رؤية الصحابة والتابعين في المنام رضي الله عنهم وأرضاهم
@ (من رأى) واحدا منهم أو جميعهم أحياء دلت رؤياه على قوة الدين وأهله ودلت على أن صاحب الرؤيا ينال عزا وشرفا ويعلو أمره فإن رأى كأنه صار واحدا منهم يناله شدائد ثم يرزق الظفر وإن رآهم في منامه مرارا صدقت معيشته وإن رأى أبا بكر رضي الله عنه حيا أكرم بالرأفة والشفقة على عباد الله وإن رأى عمر رضي الله عنه أكرم بالقوة في الدين والعدل في الأقوال وحسن السيرة فيمن تحت يده فإن رأى عثمان رضي الله عنه حيا رزق حياء وهيبة وكثر حساده وإن رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيا أكرم بالعلم ورزق الشجاعة والزهد.
(ومن رأى) القراء مجتمعين في موضع فإنه يجتمع هناك أصحاب الدولة من السلاطين والتجار والعلماء
(ومن رأى) بعض الصالحين من الأموات صار حيا في بلدة فإن تلك البلدة ينال أهلها الخصب والفرح والعدل من واليهم ويصلح حال رئيسهم. ورأى الحسن البصري رحمه الله كأنه لابس صوف وفي وسطه كستيج وفي رجليه قيد وعليه طيلسان عسلي وهو قائم على مزبلة وفي يده طنبور يضرب به وهو مستند إلى الكعبة فقصصت رؤياه على ابن سيرين فقال أما درعه الصوف فزهده وأما كستيجه فقوته في دين الله وأما عسله فحبه للقرآن وتفسيره للناس وأما قيده فثباته في ورعه وأما قيامه على المزبلة فدنياه جعلها الله تحت قدميه وأما ضرب طنبوره فنشره حكمته بين الناس وأما استناده إلى الكعبة فالتجاؤه إلى الله عز وجل.
*1* (الباب الخامس) في تأويل سور القرآن العزيز
@ (أخبرنا) أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال أنبأنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن أن رجلا مات فرآه أخوه في المنام فقال يا أخي أي الأعمال تجدون أفضل قال القرآن قال أي القرآن أفضل قال آية الكرسي قال يرجو الناس قال نعم إنكم تعلمون ونحن نعلم ولا نعمل.
(ومن رأى) كأنه يقرأ فاتحة الكتاب فتحت له أبواب الخير وأغلقت عنه أبواب الشر
(ومن رأى) كأنه يقرأ سورة البقرة طال عمره وحسن دينه
(ومن رأى) أنه يقرأ سورة آل عمران صفا ذهنه وزكت نفسه وكان مجادلا لأهل الباطل
ومن قرأ سورة النساء فإنه يكون قساما للمواريث صاحب حرائر من النساء ويورث بعد عمر طويل
ومن قرأ سورة المائدة علا شأنه وقوي يقينه وحسن ورعه
ومن قرأ سورة كالأنعام كثرت أنعامه ودوابه ومواشيه ورزق الجود
ومن قرأ سورة الأعراف لم يخرج من الدنيا حتى يطأ قدمه طور سيناء
ومن قرأ سورة الأنفال رزقه الله الظفر بأعدائه ورزق الغنائم
ومن قرأ سورة التوبة عاش في الناس محمودا ومات على توبة
ومن قرأ سورة يونس حسنت عبادته ولم يضره كيد ولا سحر
ومن قرأ سورة هود كان مرزوقا من الحرث والنسل
ومن قرأ سورة يوسف ظلم أولا ثم يملك أخيرا ويلاقي سفرا يقيم فيه
ومن قرأ سورة الرعد كان حافظا للدعوات ويسرع إليه الشيب
ومن قرأ سورة إبراهيم حسن أمره ودينه عند الله
ومن قرأ سورة الحجر كان عند الله وعند الناس محمودا
ومن قرأ سورة النحل رزق علما وإن كان مريضا شفى
ومن قرأ سورة بني إسرائيل كان وجيها عند الله ونصر على أعدائه
ومن قرأ سورة الكهف نال الأماني وطال عمره حتى يمل الحياة ويشتاق إلى الموت
ومن قرأ سورة مريم أحيا سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويكذب عليه ثم ظهر براءته
ومن قرأ سورة طه لم يضره سحر ساحر
ومن قرأ سورة الأنبياء نال الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر ورزق علما وخشوعا
ومن قرأ سورة الحج حج مرارا إن شاء الله تعالى
ومن قرأ سورة المؤمنون قوي إيمانه وختم له به
ومن قرأ سورة النور نور الله فلبه وقبره
ومن قرأ سورة الفرقان كان فارقا بين الحق والباطل
ومن قرأ سورة الشعراء عصمه الله عن الفواحش
ومن قرأ سورة النمل أوتي ملكا
ومن قرأ سورة القصص رزق كنزا حلالا
ومن قرأ سورة العنكبوت كان في أمان الله وحرزه إلى أن يموت
ومن قرأ سورة الروم فتح الله على يديه بلدة من بلاد المشركين وهدى على يديه قوما
ومن قرأ سورة لقمان أوتي الحكمة
ومن قرأ سورة السجدة مات في سجدته وصار من الفائزين عند الله
ومن قرأ سورة الأحزاب كان من أهل التقى واتبع الحق
ومن قرأ سورة سبأ تزهد في الدنيا وآثر العزلة
ومن قرأ سورة فاطر فتح الله عليه باب النعم
ومن قرأ سورة يس رزق محبة أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن قرأ سورة الصافات رزقه الله ولدا صاحب يقين طائعا له
ومن قرأ سورة "ص" كثر ماله وحذق في صناعته
ومن قرأ سورة الزمر خلص دينه وحسنت عاقبته
ومن قرأ سورة المؤمن رزق رفعة في الدنيا والآخرة وتجري الخيرات على يديه
ومن قرأ سورة حم السجدة يكون داعيا إلى الحق ويكثر محبوه
ومن قرأ حم عسق عمر عمرا طويلا إلى غاية
ومن قرأ الزخرف كان صادقا في أقواله
ومن قرأ الدخان رزق الغنى
ومن قرأ سورة الجاثية فإنه يخشع لربه ما عاش
ومن قرأ سورة الأحقاف رأى العجائب في الدنيا
ومن قرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم حسنت سيرته
ومن قرأ سورة الفتح وفق للجهاد
ومن قرأ سورة الحجرات يصل رحمه
ومن قرأ سورة ق وسع عليه رزقه
ومن قرأ سورة الذاريات كان مرزوقا من الحرث والزرع
ومن قرأ سورة الطور دلت على أنه يجاور بمكة
ومن قرأ سورة النجم رزق ولدا جميلا وجيها
ومن قرأ القمر فإنه يسحر ولا يضره
ومن قرأ سورة الرحمن نال في الدنيا النعمة وفي الآخرة الرحمة
ومن قرأ سورة الواقعة كان سباقا إلى الطاعات
ومن قرأ سورة الحديد كان محمولا الأثر صحيح البدن
ومن قرأ سورة المجادلة كان مجادلا لأهل الباطل قاهرا لهم بالحجج
ومن قرأ سورة الحشر أهلك الله أعداءه
ومن قرأ سورة الممتحنة نالته محنة وأجر عليها
ومن قرأ سورة الصف استشهد
ومن قرأ سورة الجمعة جمع الله له الخيرات
ومن قرأ سورة الفرقان برئ من النفاق
ومن قرأ سورة التغابن استقام على الهدى
ومن قرأ سورة الطلاق دل على نزاع بينه وبين امرأته يؤدي ذلك إلى الفراق
ومن قرأ سورة الملك كبرت أملاكه
ومن قرأ سورة نون رزق الكتابة والفصاحة
ومن قرأ سورة الحاقة كان على الحق
ومن قرأ سورة المعارج كان آمنا منصورا
ومن قرأ سورة نوح كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر مظفرا على الأعداء
ومن قرأ سورة الجن عصم من شر الجن
ومن قرأ سورة المزمل وفق للتهجد
ومن قرأ سورة المدثر حسنت سريرته وكان صبورا
ومن قرأ سورة القيامة فإنه يتجنب الحلف فلا يحلف أبدا
ومن قرأ سورة هل أتى وفق للسخاء ورزق للشكر وطابت حياته
ومن قرأ سورة المرسلات وسع عليه في رزقه
ومن قرأ سورة عم يتساءلون عظم شأنه وانتشر ذكره بالجميل
ومن قرأ سورة النازعات نزعت الهموم والخيانات من قبله
ومن قرأ سورة عبس فإنه يكثر إيتاء الزكاة والصدقة
ومن قرأ سورة التكوير كثرت أسفاره في ناحية المشرق وكثرت أرباحه في أسفاره
ومن قرأ سورة الانفطار قربه السلاطين وأكرموه
ومن قرأ سورة المطففين رزق الأمانة والوفاء والعدل
ومن قرأ سورة الانشقاق كثر نسله وولده
ومن قرأ سورة البروج فاز من الهموم وأكرم بنوع من العلوم وقيل ذلك علم النجوم
ومن قرأ سورة الطارق ألهم كثرة التسبيح
ومن قرأ سورة سبح تيسرت عليه أموره
ومن قرأ سورة الغاشية ارتفع قدره وانتشر ذكره وعلمه
ومن قرأ سورة الفجر كسي البهاء
ومن قرأ سورة البلد وفق لإطعام الطعام وإكرام الأيتام ورحمة الضعفاء
ومن قرأ سورة الشمس أوتي الفهم وذكاء الفطنة في الأشياء
ومن قرأ سورة الليل وفق لقيام وعصم من هتك الستر
ومن قرأ سورة الضحى فإنه يكرم المساكين والأيتام. وقد حكي أن بعض العلوية رأى في منامه مكتوبا على جبينه سورة الضحى فأخبر بذلك ابن المسيب فعبرها بدنو الأجل فمات العلوي بعد ليلة
ومن قرأ سورة ألم نشرح فإن الله يشرح صدره للإسلام ويسر عليه أمره وتنكشف عنه همومه
ومن قرأ سورة التين عجل له قضاء حوائجه وسهل له رزقه
ومن قرأ سورة اقرأ رزق الكتابة والفصاحة والتواضع
ومن قرأ سورة القدر طال عمره وعلا أمره
ومن قرأ لم يكن هدى الله على يديه قوما ضالين
ومن قرأ سورة الزلزلة زلزل الله به أقدام أهل الكفر
ومن قرأ سورة العاديات رزق الخيل وارتباطها
ومن قرأ سورة القارعة أكرم العبادة والتقوى
ومن قرأ سورة التكاثر كان زاهدا في المال تاركا لجمعه
ومن قرأ سورة العصر وفق للصبر وأعين على الحق ويناله خسران في تجارته ويتعقبه ربح كثير
ومن قرأ سورة الهمزة فإنه يجمع مالا ينفعه في أعمال البر
ومن قرأ سورة الفيل نصر على الأعداء وجرى على يديه فتوح في الإسلام
ومن قرأ سورة قريش فإنه طعم المساكين ويؤلف الله بينه وبين قلوب عباده في المحبة
ومن قرأ سورة أرأيت فإنه يظفر بمن خالفه وعاند
ومن قرأ سورة الكوثر كثر خيره في الدارين
ومن قرأ سورة الكافرون وفق لمجاهدة الكافرين
ومن قرأ سورة النصر نصره الله على أعدائه وهذه الرؤيا تدل على قرب وفاة صاحبها فإنها سورة نعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه وقد حكى أن رجلا أتى ابن سيرين فقال إني رأيت في المنام كأني أقرأ سورة الفتح فقال عليك بالوصية فقد جاء أجلك فقال ولم قال لأنها آخر سورة نزلت من السماء
ومن قرأ سورة تبت يدا فإن بعض أهل النفاق يتشمر لمعاداته وطلب عثراته ثم يهلكهالله عز وجل
ومن قرأ سورة الإخلاص نال مناه وعظم ذكره ووقى زلات توحيده وقيل يقل عياله ويطيب عيشه وقد قيل قراءتها أيضا دليل على اقتراب الأجل وقد حكى أن بعض الصالحين رأى سورة الإخلاص مكتوبة بين عينيه فقص ذلك على سعيد بن المسيب فقال إن صدقت رؤياك فقد دنا موتك فكان كما قالا
ومن قرأ سورة الفلق فإن الله يدفع عنه شر الإنس والجن والهوام والحساد
ومن قرأ سورة الناس عصم من البلايا وأعيذ من الشيطان وجنوده ووسواسهم
(قال أبو سعيد) رضي الله عنه والأصل في هذا النوع من الرؤيا أن يتدبر المعبر رؤيا القاص عليه في هذا الباب فإن كانت الآية التي رأى أنه قرأها آية رحمة مبشرة بشره بالرحمة والنعمة والأمن والغبطة وإن كانت عقوبة حذره ارتكاب معصية يستحقها بها وأشار عليه بترك معصية هو فيها أو هم بها قاصدا لها فإن رأى كأنه يقرأ القرآن ظاهرا فإنه يكون مؤديا للأمانات مستقيما على الحق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لقوله تعالى: {يتلون آيات الله}. إلى قوله: {ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}. فإن رأى كأنه يقرأ في مصحف نال حكمة وعزا وذكرا وحسن دين والمصحف حكمة في التأويل فإن رأى أنه اشترى مصحفا انتشر علمه في الدين والناس وأفاد خيرا
(ومن رأى) أنه باع مصحفا فإنه يحتقب الفواحش فإن رأى أنه أحترق مصحفا أفسد دينه فإن رأى أنه سرق مصحفا انسي الصلاة فإن رأى في يده كتابا أو مصحفا فلما فتحه لم يكن فيه كتابة دل على أن ظاهره بخلاف باطنه فإن رأى أنه يأكل أوراق المصاحف فإنه يكتب المصاحف بأجرة ويطلب رزقه من غير وجهه فإن رأى أنه يقبل المصحف فإنه لا يقصر في أداء الواجبات فإن رأى أنه يكتب القرآن في خزف أو صدف فإنه يقول في القرآن برأيه فإن رأى أنه يكتب على الأرض فهو ملحد. وقد حكي أن الحسن البصري رحمه الله رأى كأنه يكتب القرآن في كساء فقص رؤياه على ابن سيرين فقال اتق الله ولا تفسر القرآن برأيك فإن رؤياك تدل على ذلك فإن رأى كأنه يقرأ القرآن وهو متجرد فإنه صاحب أهواء
(ومن رأى) كأنه يأكل القرآن فإنه يأكل به
(ومن رأى) كأنه متوسد مصحفا فإنه رجل لا يقوم بما معه من القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم لا توسدوا بالقرآن
(ومن رأى) أنه حفظ القرآن ولم يحفظ نال ملكا لقوله تعالى: {إني حفيظ عليم}.
(ومن رأى) كأنه يسمع القرآن قوي سلطانه وحسنت خاتمته
(ومن رأى) أن المصحف أخذ منه فإنه ينتزع منه علمه وينقطع عمله في الدنيا
(ومن رأى) أنه يتلى عليه القرآن وهو لا يفهمه أصابه مكروه إما من الله أو من السلطان لقوله تعالى: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}. فمن رأى أنه يقرأ آية رحمة فإذا وصل إلى آية عذاب عسرت عليه قراءتها أصاب فرجا
(ومن رأى) أنه يقرأ آية عذاب فإذا وصل إلى آية رحمة لم يتهيأ له قراءتها بقي في الشدة
(ومن رأى) أنه يختم القرآن ظفر بمراده وكثر خيره وحكي أن امرأة رأت كأن في حجرها مصحفا وهي تقرأ منه فجاءت فروجتان تلتقطان كل كتابة فيه حتى استوفتا جميع كتابته أكلا فقصت رؤياها على ابن سيرين فقال ستلدين ابنين يحفظان القرآن فكان كذلك. حكي أن رجلا من القراء رأى في منامه كأنه يقطع ورقة ورقة من المصحف فيضعها على النار فيسكن لهبها فرفعها إلى بعض المفسرين فقال ستكون فتنة من جهة السلطان وتسكن بقراءتك القرآن فكان كذلك ومن سمع قراءة القرآن قوي سلطانه وحمدت عاقبته وأعيذ من كيد الكائدين لقوله تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا}.
*1* (الباب السادس) في تأويل رؤيا الإسلام
@قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله كل مشرك رأى في منامه أو رآه غيره كأنه في الجنة أو حلى أساور من فضة فإنه يسلم لقوله تعالى: {وحلوا أساور من فضة}. وكذلك لو رأى أنه يدخل حصنا فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى لا إله إلا أنا حصني فمن دخله أمن من عذابي فإن رأى مشرك أنه أسلم أو رأى أنه يصلي نحو القبلة أو رأى أنه يشكر الله تعالى هدي للإسلام وإن كان في دار الشرك فرأى في منامه أنه تحول إلى دار الإسلام فإنه يموت عاجلا لأن دار الإسلام دار الحق فإن رأى مسلم في منامه كأنه يقول أسلمت استقامت أموره واستحكم إخلاصه فإن رأى مسلم كأنه يسلم ثانيا سلم من الآفات
(ومن رأى) من المشركين كأنه كان ميتا فحيي فإنه يسلم وكذلك إذا رأى سعة في صدره فإنه يسلم وكذلك إذا رأى نفسه في سفينة في البحر فإنه يسلم.
*1* (الباب السابع) في تأويل السلام والمصافحة
@ (من رأى) كأنه يصافح عدوا أو يعانقه ارتفعت من بينهما العداوة ونبتت الإلفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال المصافحة تزيد في المودة
(ومن رأى) أن عدوه سلم عليه فإنه يصلب إليه الصلح
(ومن رأى) أنه سلم على من ليس بينه وبينه عداوة أصاب المسلم عليه من المسلم فرحا وإن كانت بينهما عداوة فإنه يظفر بالمسلم ويأمن بوائقه
(ومن رأى) كأنه سلم على شيخ لا يعرفه فإن ذلك أمان من عذاب الله عز وجل وإن رأى أنه سلم على شيخ يعرفه فإنه ينكح امرأة حسناء وينال أنواع الفواكه لقوله تعالى: {لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون} {سلام قولا من رب رحيم}. فإن سلم عليه شاب لا يعرفه فإنه يسلم من شر أعدائه ومن كان يخطب إلى رجل فرأى كأنه يسلم على ذلك الرجل فرد عليه جواب سلامه لم يزوجه وكذلك إن كانت بينه وبين رجل تجارة فرأى في منامه كأنه سلم عليه فرد عليه جوابه استقامت تلك التجارة بينهما فإن لم يرد جوابه لم تستقم.
*1* (الباب الثامن) في تأويل الرؤيا الطهارة
@ (قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله) الأولى بالطهارات بتقديم الذكر: الختان، وهي من الفطرة. فمن رأى كأنه اختتن فقد عمل خيرا طهره الله به من الذنوب وأحسن القيام بأمر الله تعالى ولو قال قائل إنه يخرج من الهموم لم يبعد فإن رأى كأنه أقلف فإن القلفة زيادة مال ووهن في الدين وهذه الرؤيا تدل على أن صاحبها يترك الدين لأجل الدنيا فإن رأى أنه اختتن فسال منه دم كثير خرج عن ذنوبه وأقبل على إقامة سنن صلى الله عليه وسلم والسلوك من الفطرة أيضا وهذه رؤيا أهل السنة فمن رأى أنه يستاك فإنه يكون محسنا إلى أقاربه واصلا لرحمه فإن رأى أنه يستاك بشيء نجس فإنه ينفق مالا حراما في طاعة
(ومن رأى) أنه يتوضأ وضوءه لصلاة فإنه أمان من الله تعالى
(ومن رأى) أنه جنب فإنه يسافر ويطلب حاجة لا سوى لها
(ومن رأى) أنه اغتسل فإنه يقضي حاجة الاغتسال يطهر الذنوب ويكشف الهموم
(ومن رأى) أنه اغتسل ولبس ثيابا جددا فإن كان معزولا عن ولاية ردت إليه وإن كان فقيرا أثرى وغنى وإن كان مسجونا خلى سبيله وإن كان مريضا عوفي وإن كان تاجرا قد كسدت تجارته أو صانعا قد تعذرت عليه صنعته استقام أمرها وتجدد لهما أمر في أتم دولة وإن كان ضرورة حج وإن كان مهموما فرج الله همه وإن كان مديونا قضى الله دينه لأن أيوب حين اغتسل ولبس ثيابا جددا وهب الله له أهله ومثلهم معهم وذهب همه وصح جسمه فإن رأى أنه اغتسل ولبس ثيابا خلقة فإنه يذهب همه ويفتقر
(ومن رأى) أنه يغتسل إلا أنه لم يتم أمره ولم ينل ما يطلبه
(ومن رأى) كأنه يتوضأ أو يغتسل في سرب فإنه يظفر بشيء كان سرق له
(ومن رأى) كأنه يتوضأ ودخل في الصلاة خرج من الهموم وشكر الله تعالى على الفرج
(ومن رأى) كأنه يتوضأ بما لا يجوز الوضوء به فهو في هم ينتظر الفرج ولا يناله وإن تاجرا أنه يصلي بغير وضوء فإنه يتجر من غير رأس مال وأن رأى أمير هذه الرؤيا فلا يجتمع له جند وأن رآها محترف لم يستقر به قرار
(ومن رأى) أنه يصلي بغير وضوء في مكان لا تجوز الصلاة فيه متحير في أمره لا يجد منه خلاصا وقيل الوضوء في المنام أمانة يؤديها أو دين يقضيه أو شهادة يقيمها وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه العذاب في القبر فجاءه وضوءه فاستنقذه من ذلك
(ومن رأى) أنه يتيمم فقد دنى فرجه وقربت راحته لأن التيمم دليل الفرج القريب من الله تعالى.
*1* (الباب التاسع) في تأويل رؤيا الأذان والإقامة
@ (أخبرنا) أبو بكر بن عبد الله ابن قريش قال أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي قال حدثنا وهب ابن جرير قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصار عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالذي رأيته من الأذان فقال إن هذه لرؤيا حق فقم فألقها على بلال فإنه أندى صوتا منك قال فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع أذان بلال يجر ثوبه وقال يا رسول الله رأيت مثل ما أرى عبد الله بن زيد فقال الحمد لله فذاك أثبت (وأخبرنا) أبو بكر قال أخبرنا الحسن بن سفيان عن إسماعيل بن عبيد الحراني عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بالبوق وأمر بالناقوس فتنحت فأرى عبد الله ابن زيد الأنصاري في المنام قال رأيت رجلا عليه ثوبان أخضر أن يحمل ناقوسا فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس قال ومنا تصنع به قلت ننادي به للصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك قلت بلى قال تقول الله أكبر ثم لقنني كلمات الأذان ثم مشى هنيهة ولقنني كلمات الإقامة فلما استيقظت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال عليه السلام إن أخاكم قد رأى رؤيا فاخرج مع بلال إلى المسجد فألقها عليه فليناد بها فإنه أندى صوتا منك فخرجت معه فجعلت ألقيها وينادي بها بلال فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصوت فخرج فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقد رأيت مثل ما أرى (قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) (من رأى) أنه أذن مرة أو مرتين وأقام وصلى فريضة رزق حجا وعمرة لقوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج} والآن بعرفات يؤذن ويقام مرتان مرتان فإن رأى كأنه يؤذن على منارة فإنه يكون داعيا إلى الحق ويرجى له الحج فإن رأى كأنه يؤذن في بئر فإن يحث الناس على سفر بعيد فإن رأى كأنه مؤذن وليس في اليقظة ولى ولاية بقدر ما بلغ صوته إن كان للولاية أهلا فإن رأى كأنه يؤذن على تل أصاب ولاية من رجل أعجمي وإن لم يكن للولاية أهلا فإنه يصيب تجارة رابحة أو حرفة عزيزة فإن رأى أنه زاد في الأذان أو نقص منه أو غير ألفاظه فإنه يظلم الناس بقدر الزيادة والنقصان وإن أذن في شارع فإن كان من أهل الخير فإنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن كان من أهل الفساد فإنه يضرب
(ومن رأى) كأنه يؤذن على حائط فإنه يدعو رجلا إلى الصلح وإن أذن فوق بيت فإنه يموت أهله فإن أذن فوق الكعبة فإنه يظهر بدعة والأذان في جوف الكعبة لا يحمد ومن أذن على سطح جاره فإنه يخون جاره في أهله ومن أذن بين قوم فلم يجيبوه فإنه بين قوم ظلمة لقوله تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين}
(ومن رأى) أنه أذن وأقام فإنه يقيم سنة ويميت بدعة
(ومن رأى) صبيا يؤذن فإنه براءة لوالديه من كذب وبهتان لقصة عيسى عليه السلام والأذان في الحمام لا يحمد دينا ولا دنيا وقيل إنه يقود فإن أذن في البيت الحار فإنه يحم حمى نافض فإن أذن في البيت البارد فإنه يحم حمى حارة ومن أذن على باب سلطان فإنه يقول حقا (وحكي) عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال الأذان مفارقة شريك لقوله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر}. الآية فإن أذن في قافلة فإنه يسرق لقوله تعالى: {أيتها العير إنكم لسارقون}. والأذان في البرية أو المعسكر يكون جاسوسا للصوص ومن كان محبوسا فرأى كأنه يقيم أو يصلي قائما فإنه يطلق لقوله: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة}. الآية
(ومن رأى) غير محبوس أنه يقيم إقامة الصلاة فإنه يقوم له أمر رفيع يحسن الثناء عليه فيه
(ومن رأى) كأنه أقام على باب داره فوق سرير فإنه يموت
(ومن رأى) كأنه يؤذن على سبيل اللهو واللعب سلب عقله لقوله تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوما لا يعقلون}. (وحكي) عن دانيال الصغير أنه قال (من رأى) كأنه أذن وقام وصلى فقد تم عمله وهو دليل الموت ومن سمع أذانا في السوق فإنه موت رجل من أهل تلك السوق ومن سمع أذانا يكرهه فإنه ينادي عليه في مكروه (قال الأستاذ أبو سعيد) الأصل في هذا الباب الأذان إذا رآه من هو أهل له كان محمودا إذا أذن في موضعه وإذا رآه من ليس بأهل أو رآه في غير موضعه كان مكروها فإن أذن في مزبلة فإنه يدعو أحمق إلى الصلح ولا يقبل منه وإن أذن في بيت فإنه يدعو امرأة إلى الصلح فإن أذن متعجرا فإنه يغشى امرأة (وحكي) أن رجلا أتى ابن سيرين فقال رأيت كأني أؤذن فقال تحج وأتاه آخر فقال رأيت كأني أؤذن فقال تقطع يداك قيل له كيف فرقت بينهما قال رأيت للأول سيما حسنة فأولت {وأذن في الناس بالحج} ورأيت للثاني سيما غير صالحة فأولت {ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون}.
*1* (الباب العاشر) في تأويل رؤيا الصلاة وأركانها
@ (قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله) الأصل في رؤيا الصلاة أنها محمودة دينا ودنيا وتدل على إدراك ولاية ونيل رياسة أو قضاء دين أو أداء أمانة وإقامة فريضة من فرائض الله تعالى ثم هي على ثلاثة أضرب فريضة وسنة وتطوع فالفريضة منها تدل على ما قلنا وأن صاحبها يرزق الحج ويجتنب الفواحش لقوله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والسنة تدل على طهارة صاحبها وصبره على المكاره وظهور اسم حسن له لقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} وشفقة على خلق الله تعالى وعلى أن يكرم عياله ومن تحت يده ويحسن إليهم فوق ما يلزمه ويجب عليه في الطعام والكسوة ويسعى في أمور أصدقائه فورثه ذلك عزا والتطوع يقتضي كمال المروءة وزوال الهموم
(ومن رأى) كأنه يصلي فريضة الظهر في يوم صحو فإنه يتوسط في أمر يورثه ذلك عزا حسب صفاء ذلك اليوم فإن كان يوم غيم فإنه يتضمن حمل غموم فإن رأى كأنه يصلي العصر فإنه يدل على أن العمل الذي هو فيه لم يبق منه إلا أقله فإن رأى أنه يصلي الظهر في وقت العصر فإنه يقضي دينه فإن رأى إحدى الصلاتين انقطعت عليه فإنه يقضي نصف الدين أو نصف المهر لقوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} فإن رأى كأنه يصلي فريضة المغرب فإنه يقوم بما يلزمه من أمر عياله فإن رأى أنه يصلي العتمة فإنه يعامل عياله بما يفرح به قلوبهم وتسكن إليه نفوسهم فإن رأى كأنه يصلي فريضة الفجر فإنه يبتدئ أمرا يرجع إلى إصلاح معاشه ومعاش عياله فإن رأى كأنه يصلي الظهر أو العصر أو العتمة ركعتين فإنه يسافر فإن رأت مثلهما امرأة حاضت في يومها فإن رأى كأنه يصلي قاعدا من غير عذر لم يقبل عمله فإن رأى كأنه يصلي على جنبه مرض فإن رأى كأنه يصلي راكبا أصابه خوف شديد فإن رأى كأن الإمام يصلي بالناس وهو راكب وهم ركبان فإن كانوا في حرب رزقوا الظفر فإن رأى كأنه يصلي في بستان فإنه يستغفر الله فإن رأى كأنه صلى في أرض مزروعة قضى الله دينه منها فإن رأى كأنه يصلي في مسلخ حمام دل ذلك على فساد يرتكبه وقيل إنه يلوط بغلام فإن رأى كأن صلاة مفروضة فاتته ولا يجد موضعا يقضيها فيه تعذر عليه نيل ما يطلبه فإن رأى كأنه يصلي في جماعة مستوية الصفوف فإنهم يكثرون التسبيح والتهليل لقوله تعالى: {وإنا لنحن الصافون} {وإنا لنحن المسبحون}. فإن رأى كأنه ترك صلاة فريضة فإنه يستخف ببعض الشرائع والسجدة في المنام دليل الظفر ودليل التوبة من ذنب هو فيه دليل الفوز بمال ودليل طول الحياة ودليل النجاة من الأخطار فإن رأى كأنه سجد لله تعالى على جبل فإنه يظفر برجل منيع فإن رأى أنه سجد لغير الله تعالى لم تقض حاجته وقهر إن كان في حرب وخسر إن كان تاجرا فإن رأى كأنه قائم في الصلاة فلم يركع حتى ذهب وقتها فإنه يمنع الزكاة المفروضة فلا يؤديها فإن رأى كأنه يصلي فيأكل العسل فإنه يأتي امرأته وهو صائم فإن رأى كأنه قاعد يتشهد فرج عنه همه وقضيت حاجته فإن رأى كأنه سلم وخرج من صلاته على تمامها فإنه يخرج من همومه فإن سلم عن يمينه دون يساره صلح بعض أموره فإن سلم عن يساره دون يمينه فإنه يتشوش عليه بعض أحواله فإن رأى أنه يصلي نحو الكعبة دل على استقامة دينه فإن صلى نحو المغرب دل على رداءة مذهبه وجراءته على المعاصي لأنه قبلة اليهود وهم اجترءوا على أخذ الحيتان يوم سبتهم فإن صلى نحو المشرق دل على ابتداعه واشتغاله بالباطل لأنه قبلة النصارى فإن صلى وظهره للقبلة في الصلاة دل على نبذه الإسلام وراء ظهره بارتكاب بعض الكبائر فإن رأى أنه لا يهتدي إلى القبلة فإنه متحير في أمره فإن صلى إلى غير قبلة إلا أن عليه ثيابا بيضا وهو يقرأ القرآن كما يجب رزق الحج لقوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله}. فإن رأى من ليس بإمام في اليقظة كأنه يؤم الناس في الصلاة وكان للولاية أهلا نال ولاية شريفة وصار مطاعا فإن أم بهم إلى القبلة وصلى بهم صلاة تامة عدل في ولايته وإن رأى في صلاتهم نقصانا أو زيادة أو تغيرا جار في ولايته وأصابه فقر ونكبة من جهة اللصوص فإن صلى بهم قائما وهم جلوس فإنه لا يقصر في حقوقهم ويقصرون في حقه أو تدل رؤياه أنه يتعهد قوما مرضى فإن صلى بقوم قاعدا وهم قيام فإنه يقصر في أمر يتولاه فإن صلى بقوم قيام وقوم قعود فإنه يلي أمر الأغنياء وأمر الفقراء فإن صلى بهم قاعدا وهم قعود فإنهم يبتلون بغرق أو سرقة ثياب وافتقار فإن رأى أنه يصلي بالنساء فإنه يلي أمور قوم ضعاف فإن أم بالناس على جنبه أو مضطجعا وعليه ثياب بيض وينكر موضعه ذلك ولا يقرأ في صلاته ولا يكبر فإنه يموت ويصلي الناس عليه وكذلك إن رأت امرأة كأنها تؤم بالرجال ماتت لأن المرأة لا تتقدم إلى في الموت فإن رأى الوالي أنه يؤم بالناس عزل وذهب ماله ومن صلى بالرجال والنساء نال القضاء بين الناس إن كان أهلا لذلك وإلا نال التوسط والإصلاح بين الناس
(ومن رأى) أنه أتم الصلاة بالناس تمت ولايته فإنه انقطعت عليه الصلاة انقطعت ولايته ولم تنفذ أحكامه ولا كلامه فإن صلى وحده والقوم يصلون فرادى فإنهم خوارج فإن صلى بالناس صلاة نافلة دخل في ضمان لا يضره فإن كان القوم جعلوه إماما فإنه يرث ميراثا لقوله تعالى: {ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}. فإن رأى كأنه أم بالناس ولا يحسن أن يقرأ فإنه يطلب شيئا لا يوجده ومن صلى بقوم فوق سطح فإنه يحسن إلى أقوام يكون له بذلك صيت حسن من جهة قرض أو صدقة فإن رأى أنه يدعو دعاء معروفا فإنه يصلي فريضة فإن دعا دعاء ليس فيه اسم الله فإنه يصلي صلاة رياء فإن رأى كأنه يدعو لنفسه خاصة رزق ولدا لقوله تعالى: {إذ نادى ربه نداء خفيا}. فإن كان يدعو ربه في ظلمة ينجو من غم لقوله تعالى: {فنادى في الظلمات}. وحسن الدعاء دليل على الدين والقنوت دليل على الطاعة وكثرة ذكره الله تعالى دليل على النصر لقوله تعالى: {وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا}.
(ومن رأى) كأنه يستغفر الله تعالى رزق حلالا وولدا لقوله تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا}. الآية فإن رأى كأنه فرغ من الصلاة واستغفر الله تعالى ووجهه إلى القبلة فإنه يستجاب دعاؤه وإن كان وجهه إلى غير القبلة يذنب ذنبا ويموت ولم يتب منه فإن سكت عن الاستغفار دل على نفاقه لقوله تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله...}. الآية فإن رأت امرأة كأنه يقال لها استغفري لذنبك فإنها تتهم بفاحشة لقصة زليخا فإن رأى أنه يقول سبحان الله فرج عن همومه من حيث لا يحتسب فإن رأى كأنه نسي التسبيح أصابه حبس أو غم لقوله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين}. فإن رأى كأنه قال لا إله إلا اله أتاه الفرج من غم هو فيه وختم له بالشهادة فإن رأى كأنه يكبر الله أوتي مناه ورزق الظفر بمن عاداه فإن رأى كأنه يحمد الله نال نورا أو هدى في دينه
(ومن رأى) كأنه يشكر الله تعالى نال قوة وزيادة نعمة وإن كان صاحب هذه الرؤيا واليا ولي بلدة عامرة لقوله تعالى: {واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور}. وقيل (من رأى) كأنه يحمد الله رزق ولدا لقوله تعالى: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل}.
(ومن رأى) أنه يصلي يوم الجمعة فإنه يسافر سفرا ينال فيه خيرا وبرا ورزقا وفضلا
(ومن رأى) كأنه يصلي صلاة الجمعة يوم الجمعة اجتمعت له أموره المتفرقة وأصاب بعد العسر يسرا وقيل (من رأى) هذه الرؤيا فإنه يظن خيرا وليس كذلك
(ومن رأى) كأنه فرغ من الصلاة وقضاها نال من الله فضلا واسعا فإن رأى أن الناس يصلون صلاة الجمعة في الجامع وهو في بيته أو حانوته أو قرية يسمع التكبير والركوع والسجود والتشهد والتسليم ويظن الناس قد رجعوا من الصلاة فإن والي تلك الكورة يعزل وإن كأنه يحفظ الصلاة فإنه ينال كرامة وعزا لقوله تعالى: {الذين هم على صلاتهم يحافظون}. فإن رأى أنه يصلي وخرج من المسجد فإنه ينال خيرا ورزقا لقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.
*1* الباب الحادي عشر في تأويل رؤيا المسجد والمحراب والمنارة ومجالس الذكر
@أخبرنا عبد الله بن حامد الفقيه قال أخبرنا إبراهيم بن محمد الهروي قال أنبأنا أبو شاكر ميسرة بن عبد الله عن أبي عبد الله العجلي عن عمرو بن محمد عن عبد العزيز بن أبي داود قال كان رجل بالبادية قد أتخذ مسجدا فجعل في قلبه سبعة أحجار فكان إذا قضى صلاته قال يا أحجار أشهدكم أن لا إله إلا الله قال فمرض الرجل فمات فعرج بروحه قال فرأيت في منامي أنه قال أمر بي إلى النار فرأيت حجرا من تلك الأحجار قد عظم فسد عني بابا من أبواب جهنم قال وسد عني بقية الأحجار أبواب جهنم (قال الأستاذ أبو سعيد) من رأى في منامه مسجدا محكما عامرا فإن المسجد رجل عالم يجتمع الناس عنده في صلاح وخير وذكر الله تعالى لقوله عز وجل (يذكر فيها اسم الله كثيرا) فإن رأى كأن المسجد انهدم فإنه يموت هناك رئيس صاحب دين فإن رأى انه يبني مسجدا فإنه يصل رحمه ويجمع الناس على خير وبناء المسجد يدل على الغلبة على الأعداء لقوله تعالى (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) فإن رأى كأن رجلا مجهولا أم بالناس في مسجد وكأن إمام ذلك المسجد مريضا فإنه يموت فإن رأى كأن مسجدا تحول حماما دل على أن رجلا مستورا يرتكب الفسوق ومن رأى كأن بيته تحول مسجدا أصاب شرفا وصار داعيا للناس من الباطل إلى الحق ومن رأى كأنه دخل مع قوم مسجدا فحفروا له حفرة فإنه يتزوج ومن رأى كأنه يصلي في المحراب فإنه بشارة لقوله تعالى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب) فإن كان صاحب الرؤيا امرأة ولدت ابنا ومن رأى كأنه يصلي في المحراب صلاة لغير وقتها فإن ذلك خير يكون لعقبة من بعده فإن رأى أنه بال في المحراب قطرة أو قطرتين أو ثلاثة فكل قطرة ابن نجيب وجيه يولد له والمحراب في الأصل أمام رئيس (وحكي) أن رجلا رأى في منامه كأنه بال في المحراب فسأل معبرا فقد يولد لك غلام يصير إماما يقتدى به وأما المنارة فهي رجل يجمع الناس على خير وانهدام منارة المسجد موت ذلك الرجل وخمول ذكره وتفرق جماعة ذلك المسجد ومنارة الجامع صاحب البريد أو رجل يدعو الناس إلى دين الله تعالى ومن رأى كأنه سقط من منارة في بئر ذهبت دولته ودلت رؤياه على أنه يتزوج امرأة سليطة وله امرأة دينة جميلة ورأى مهندس كأنه ارتقى منارة عظيمة من خشب وأذّن فقص رؤياه على معبر فقال يصيب ولاية وقوة ورفعة في إنفاق فولي بلخ وقيل أن القعقاع ركبه دين عشرة آلاف درهم وكان مغموما فرأى ولده في منامه على شرف منارة يسبح الله ويهلل فلما رآه دعاه واستيقظ فسأل المعبر عنه فقال إن المنارة علو ورفعة يصيبها أبوك قال فإن أبي ميت قال المعبر ألست ابنه قال نعم قال لعلك تكون عالما أو أميرا وأما تسبيحه فإنك في غم وحزن ويفرجه الله عز وجل عنك لقوله تعالى {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فلم يلبث إلا قليلا فإذا رجل قد أخذ بيده وقال له أنت القعقاع فقال في نفسه ليس هذا إلا غريم ملازم فقال له إن سعدانة امرأة مريضة وهي توصي وتدعوك قال فذهب معه فإذا جماعة من المشايخ وكتاب مكتوب إن سعدانة جعلت ثلث مالها للقعقاع فأوصت له بثلث مالها وماتت بعد ثلاثة أيام ومن رأى كأنه يصلي في بيت المقدس ورث ميراثا أو تمسك ببر ومن رأى أنه على مصلى رزق الحج والأمن لقوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) ومن رأى أنه يصلي في بيت المقدس إلى غير القبلة فإنه يحج فإن رأى كأنه يتوضأ في بيت المقدس فإنه يصير فيه شيئا من ماله والخروج منه يدل على سفر وذهاب ميراث منه إن كان في يده فإن رأى أنه أسرج في بيت المقدس سراجا أصيب في ولده أو كان عليه نذر في ولده يلزمه الوفاء به وأما العالم فهو طبيب الدين والمذكر ناصح لقوله تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) فإن رأى كأنه يذكر وليس من أهله فإنه في هم ومرض وهو يدعو الله تعالى بالفرج فإن تكلم بالحكمة شفي وقضي دينا إن كان عليه ونصر على من ظلمه وأن تكلم بالخنا تعسر عليه الأمر وصار ضحكة يستخف به والقاص رجل حسن المحضر لقوله تعالى {نحن نقص عليك أحسن القصص} فإن رأى كأنه يقص أمن من خوف لقوله تعالى {فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف} وإن رآه تاجر نجا من الخسران وإذا رأى في مكان مجلس ذكر وقراءة قرآن ودعاء وإنشاد وأشعار زهدية فان ذلك الموضع يعمر عمارة محكمة على قدر صحة القراءة وان وقع في القرآن لحن لم يكمل ولم يتم وان أنشد أشعار للغزل فتلك ولاية باطلة.
*1* الباب الثاني عشر في تأويل رؤيا الزكاة والصدقة والإطعام وزكاة الفطر
@أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد جميع الغساني بصيدا قال أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن علي الهمداني قال حدثنا إبراهيم بن الحسين بن علي الهمداني عن أبي معمر عبد الله بن عمر المقري عن عبد الوارث بن سعيد عن الحسن بن ذكوان ان [ابن؟؟] المعلم أن يحيى بن كثير حدثهم أن عكرمة بن خالد حدثه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى في المنام فقيل له لتتصدق بأرضك ثمغ فقيل ذلك ثلاث مرات فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بذلك فقال يا رسول الله انه لم يكن لنا مال أوصف لنا منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بها واشرط (قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) من رأى كأنه يوفي زكاة ماله بشرائطها فإنه يصيب مالا وثروة لقوله تعالى {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}
ورؤية الصدقة في المنام تختلف باختلاف أحوال الرائين: فإن رأى عالم كأنه يتصدق فإنه بذل للناس علمه فإن رآها سلطان وَلِيَ أقواما أو إن رآها تاجر ارتفق بمبايعته أقوام وإن رآها محترف عَلّمَ الأجراء حرفته ومن رأى [أنه؟؟] أطعم مسكينا خرج من همومه وأمِنَ إن كان خائفا، فان أطعم كافرا فانه يقوي عدوا
وتأويل المسكين هو الممتحن
 ومن رأى كأنه أدى زكاة الفطر فإنه يكثر الصلاة والتسبيح لقوله تعالى {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} ويقضي دينا إن كان عليه ولا يصيبه في عامه ذلك مرض ولا سقم.
*1* الباب الثالث عشر في تأويل الصوم والفطر
@ (قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) اختلف المعبرون في تأويلهم الصوم فقال بعضهم من رأى أنه في شهر الصوم دلت رؤياه على غلاء السعر وضيق الطعام وقال بعضهم إن هذه الرؤيا تدل على صحة دين صاحب الرؤيا والخروج من الغموم والشفاء من الأمراض وقضاء الديون فإن رأى كأنه صام شهر رمضان حتى أفطر فإن كان في شق يأتيه البيان لقوله تعالى (هدى للناس وبينات) فإن كان صاحب الرؤيا أميا حفظ القرآن فإنه رأى أنه أفطر شهر رمضان عامدا جاحدا فإنه يستخف ببعض الشرائع فإن رأى كأنه أقر بحقيقة الصوم واشتهى قضاء فهو رزق يأتيه عاجلا من حيث لا يحتسب وقال بعضهم إن من رأى كأنه يفطر في شهر رمضان فإنه يصيب الفطرة وقال بعضهم إنه يسافر في رضا الله تعالى لقوله عز وجل (فمن كان منكم مريضا أو على سفر) الآية وقيل انه من رأى أنه أفطر في شهر رمضان متعمدا ومن رأى أنه قتل مؤمنا متعمدا فأنه يفطر في شهر رمضان متعمدا ومن رأى كأنه صام شهرين متتابعين لكفارة فإنه يتوب من ذنب هو فيه ومن رأى كأنه يقضي صيام رمضان بعد خروج الشهر فإنه يمرض ومن صام تطوعا لم يمرض تلك السنة لما روى في الخبر "صوموا تصحوا" ومن رأى كأنه صائم دهره فإنه يجتنب المعاصي ومن رأى كأنه صائم لغير الله تعالى بل للرياء والسمعة فإنه لا يجد فإنه لا يجد ما يطلبه فإن رأى إنسان تعود صيام الدهر انه أفطر فإنه يغتاب إنسانا أو يمرض مرضا شديدا ومن رأى انه صائم ولا يدر أفرض هو أم نفل فإن عليه قضاء نذر لقول الله تعالى (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) وربما يلزم الصمت لأن أصل الصوم السكوت ومن رأى كأنه في يوم عيد فإنه يخرج من الهموم ويعود إليه السرور واليسر.
*1* الباب الرابع عشر في تأويل رؤيا الحج والعمرة والكعبة والحجر الأسود والمقام وزمزم وما يتصل به والأضاحي والقربايات؟؟
@ (قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) ومن رأى كأنه خارج إلى الحج في وقته فإن كان صرورة رزق الحج وان كان مريضا عوفي وان كان مديونا قضي دينه وإن كان خائفا أمن وان كان معسرا ايسر وان كان مسافرا سلم وان كان تاجرا ربح وإن كان معزولا ردت إليه الولاية وان كان ضالا هدى وان كان مغموما فرج عنه فإن رأى كأنه خارج إلى الحج ففاته فإنه إن كان واليا عزل وان كان تاجرا خسر وان كان مسافرا قطع عليه الطريق وان كان صحيحا مرض فإن رأى انه حج أو اعتمر طال عمره واستقام أمره فإن رأى انه طاف بالبيت ولاه بعض الأئمة أمرا شريفا فإن رأى انه طاف على رمكة فإنه يأتي ذات محرم فإن رأى كأنه يلبي في الحرم فإنه يظفر بعدوه ويأمن من خوف الغالب فإن لبي خارج الحرم فإن بعض الناس يغلبه ويخيفه ومن رأى كأن الحج واجب عليه ولا يحج دل على خيانته في أمانته وعلى انه غير شاكر لنعم الله تعالى ومن رأى كأنه في يوم عرفة وصل رحمه ويصالح من نازعه وان كان له غائب رجع إليه في أسر الأحوال فإن الله تعالى جمع بين آدم وحواء في هذا اليوم وعرفها له فإن رأى انه يصلي في الكعبة فإنه يتمكن من بعض الأشراف والرؤساء وينال أمنا وخيرا ومن رأى كأنه أخذ من الكعبة في المنام شيئا فإنه يصيب من الخليفة شيئا والكعبة في الرؤيا خليفة أو أمير أو وزير وسقوط حائط منها يدل على موت الخليفة ورؤية الكعبة في المنام بشارة بخير قدمه أو نذارة من شر قد هم به فإن رأى كأن الكعبة داره فإنه لا يزال ذا خدم وسلطان ورفعة وصيت في الناس إلا أن يرى الكعبة في هيئة رديئة فذلك لا خير فيه فإن رأى كأن داره الكعبة فإن الإمام يقبل إذا عليه ويكرمه وقيل من رأى انه دخل الكعبة فإنه يدخلها إن شاء الله وقيل انه يدخل على الخليفة فإن رأى انه سرق من الكعبة رمانا فإنه يأتي ذا محرم فإن رأى انه يصلي فوق الكعبة فأن دينه يختل فإن رأى انه ولي ولاية بمكة فإن الخليفة يقلده بعض أشغاله فإن رأى انه توجه نحو الكعبة صلح دينه فإن رأى انه أحدث في الكعبة دل على مصيبة تنال الخليفة فإن رأى انه يجاور بمكة فإنه يرد إلى أرذل العمر فإن رأى انه بمكة مع الأموات يسألونه فإنه يموت شهيدا (وحكي) أن رجلا أتى ابن سيرين فقال رأيت كأني أصلي فوق الكعبة فقال اتق الله فإني أراك خرجت عن الإسلام ورأى مهندس انه دخل الحرم وصلى على سطح الكعبة فقص رؤياه على معبر فقال تنال أمنا وولاية وتجبى جباية من كل مكان مع سوء المذهب ومخالفة السنة فكان كذلك (ورأى) رجل كأنه تخطى الكعبة ثم قصها على ابن سيرين فقال هذا رجل خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل في هوى ألا ترى أنه يتخطى القبلة فكان كذلك لأنه دخل في الإباحة ومن رأى كأنه مس الحجر الأسود فقيل انه يقتدي بإمام من أهل الحجاز فإن قلع الحجر الأسود واتخذه لنفسه خاصة فإنه ينفرد في الدين ببدعة ومن رأى كأنه وجد الحجر بعدما فقده الناس فوضعه مكانه فهذه رؤيا رجل يظن انه على الهدى وسائر الناس على الضلالة ومن شرب من ماء زمزم فإنه يصيب خيرا وينال ما يريده من وجه بر فإن رأى انه حضر المقام أو صلى نحوه فإنه يقيم الشرائع ويحافظ عليها ويرزق الحج والأمن فإن رأى كأنه يخطب بالموسم وليس بأهل للخطبة ولا في أهل بيته من هو من أهلها فإن تأهل يرجع إلى سميه أو نظيره ويناله بعض البلاء أو ينشر ذكره بالصلاح ومن رأى كأنه أحسن الخطبة والصلاة وأتمها بالناس وهم يستمعون لخطبته فإنه يصير واليا مطاعا فإن لم يتمها لم تتم ولايته عزل ومن رأى من ليس بمسلم أن يخطب فإنه يسلم أو يموت عاجلا فإن رأت امرأة أنها تخطب وتذكر المواعظ فهو قوة لقيمها وان كان كلامها في الخطبة غير الحكمة والمواعظ فإنها تفتضح وتشتهر بما ينكر من فعل الناس وأما المنبر فإنه سلطان من العرب والمقام الكريم وجماعة الإسلام فمن رأى أنه على منبر وهو يتكلم بكلام البر فإنه إن كان أهلا أصاب رفعة وسلطان وإن لم يكن المنبر أهلا اشتهر بالصلاح ثم إن لم يكن للمنبر أهلا ورأى كأنه لم يتكلم عليه أو يتكلم بالسوء فإنه يدل على أنه يصلب و
المنبر قد شبه بالجذع وان رأى وال أو سلطان أنه على منبر فأنكسر أو انصرف عنه أو أنزل قهرا فإنه يعزل ويزول ملكه إما بموت أو غيره فإن لم يكن صاحب الرؤيا ذا ولاية ولا سلطان رجع تأويله إلى سميه أو إلى ذي سلطان من عشيرته (وحكي) أن رجلا أتى جعفر الصادق رضي الله عنه فقال رأيت كأني على منبر أخطب فقال ما صناعتك قال حمامي فقال يسعى بك إلى السلطان فتصلب فكان كما عبر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أستيقظ من رقدته ثم تبسم وقال رأيت بني مروان يتعاقبون منبري فكان كما رآه صلى الله عليه وسلم وأما الأضحية فبشارة بالفرج من جميع الهموم وظهور البركة لقوله تعالى (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحق) الآية فإن كانت امرأة صاحب الرؤيا حاملا فإنها تلد ابنا صالحا ومن رأى أنه ضحى ببدنة أو بقرة أو كبش فإنه يعتق رقابا وإن رأى أنه ضحى وهو عبد عتق وإن كان صاحب الرؤيا أسيرا تخلص وإن رآه مديونا قضي دينه أو فقيرا ثري أو خائف أمن أو صرورة حج أو محارب نصر أو مغموم فرج عنه ومن رأى كأنه يقسم الناس في لحم قربانه خرج من همومه ونال عزا وشرفا ومن رأى كأنه سرق شيئا من القربان فإنه يكذب على الله وقال بعضهم إن المريض إذا رأى أنه يضحي دلت رؤياه على موته وقال بعضهم إنه ينال الشقاء وأما رؤية عيد الأضحى فإنه عود سرور ماض ونجاة من الهلكة لأن فكاك إسماعيل كان فيه من الذبح.
*1* الباب الخامس عشر في رؤيا الجهاد
@ (حدثنا) محمد بن شاذان قال حدثني محمد بن سليمان عن الحسن بن علاء عن حسام بن محمد بن مطيع المقدسي عن سعيد بن منصور عن ابن جريج عن عطاء قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله: مسألة. قال هاتها قلت الجهاد أفضل أم الرباط فقال عليه الصلاة والسلام الرباط , رباط يوم وليلة خير من عبادة ألف سنة (قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه) بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله" فإن يجتهد في أمر عياله فإنه يجتهد في أمر عياله وينال خيرا وسعة لقوله تعالى (يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) ومن رأى كأنه في الغزو وقد ولي وجهه عن القتال فإنه يترك السعي في أمر عياله ويقطع رحمه ويفسد دينه لقوله تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) ومن رأى كأنه يذهب إلى الجهاد فإنه ينال غلبة وفضلا وثناء حسنا ورفعة لقوله تعالى (فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) فإن رأى كأن الناس يخرجون إلى الجهاد فإنهم يصيبون ظفرا وقوة وعزة وكذلك إذا رأى كأنه يقاتل الكفار بسيف وحده يضرب به يمينا وشمالا فإنه ينصر على أعدائه فإن رأى كأنه نصر في الغزو وربح في تجارته فإن رأى غاز كأنه يغير نال غنيمة فإن رأى كأنه قتل في سبيل الله نال السرور أو رزقا ورفعة لقوله تعالى: (بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله) والفتوح في الغزو فتوح أبواب الدنيا.
*1* الباب السادس عشر في تأويل رؤيا الموت والأموات والمقابر والأكفان وما يتصل به من البكاء والنوح وغير ذلك
@أخبرنا الوليد بن أحمد الزوزني قال أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال أخبرنا محمد بن يحيى الواسطي قال حدثنا محمد بن الحسن البرجلاني عن يحيى بن بسام قال حدثني عمر بن صبح السعدي قال رأيت عبد العزيز بن سليمان العابد في منامي وعليه ثياب خضر وعلى رأسه أكليل من لؤلؤ فقلت أبا محمد كيف كنت بعدي وكيف وجدت طعم الموت وكيف رأيت الأمور هناك فقال أما الموت فلا تسأل عن شدة كربه وهمومه إلا أن رحمة الله وارت منا كل عيب وما نلناه إلا بفضله عز وجل (قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله) الموت في الرؤيا ندامة من أمر عظيم فمن رأى أنه مات ثم عاش فإنه يذنب ذنبا ثم يتوب لقوله تعالى (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا) ومن مات من غير مرض ولا هيئة من يموت فإن عمره يطول
@-ومن رأى كأنه لا يموت فقد دنى أجله وإن ظن صاحب الرؤيا في منامه أنه لا يموت أبدا فإنه يقتل في سبيل الله عز وجل
@-ومن رأى أنه مات ورأى لموته مأتما ومجتمعا وغسلا وكفنا سلمت دنياه وفسد دينه
@-ومن رأى أن الإمام مات خربت البلدة كما أن خراب البلدة دليل على موت الإمام
@-ومن رأى ميتا معروفا مات مرة أخرى وبكوا عليه من غير صياح ولا نياحة فإنه يتزوج من عقبه إنسان ويكون البكاء دليل الفرج فيما بينهم وقيل من رأى ميتا مات موتا جديدا فهو موت إنسان من عقب ذلك الميت وأهل بيته حتى يصير ذلك الميت كأنه قد مات مرة ثانية فإن رأى كأنه قد مات ولم يرى هيئة الأموات ولا جهازهم فإنه ينهدم من داره جدار أو بيت فإن كانت الرؤيا بحالها ورأى كأنه دفن على هذه الحالة من غير جهاز ولا بكاء ولا شيع أحد جنازته فإنه لا يعاد بناء ما انهدم إلا إذا صار في يد غيره
@-ومن رأى وقوع الموت الذريع في موضع دل على وقوع حريق هناك فإن رأى كأنه مات وهو عريان على الأرض فإنه يفتقر فإن رأى كأنه على بساط بسطت له الدنيا أو على سرير نال رفعة أو على فراش نال من أهله خيرا فإن رأى كأنه وجد ميتا فإنه يجد مالا فإن جاءه نعى غائب فإنه يأتيه خبر بفساد دينه وصلاح دنياه فإن رأى كأن ابنه مات تخلص من عدوه وإن رأى كأنه ابنته ماتت أيِسَ من الفرج فإن رأى كأن رجلا قال لرجل إن فلانا مات فجأة فإنه يصيب المنعى غم مفاجأة وربما مات فيه فإن رأت حامل أنها ماتت وحملت والناس يبكون عليها من غير رنة ولا نوح فإنها تلد ابنا وتسر به وقال بعضهم رؤيا الأعزب الموت دليل على التزويج وموت المتزوج دليل على الطلاق فإن بالموت تقع الفرقة وكذلك رؤيا أحد الشريكين موته دليل فرقة شريكه وأما النياحة فمن رأى كأن موضعا يناح فيه وقع في ذلك الموضع تدبير شؤم يتفرق به عنه أصحابه وقيل إن تأويل النوح الزمر وتأويل الزمر النوح وأما البكاء فحكي عن ابن سيرين أنه قال البكاء في المنام قوة عين وإذا اقترن بالبكاء والنوح الرقص لم يحمد فإن رأى كأنه مات إنسان يعرفه وهو ينوح عليه ويعلن الرنة فإنه يقع في نفس ذلك الذي رآه ميتا أو في عقبه مصيبة أو هم شنيع فإن رأى كأنهم ينوحون على وال قد مات ويمزقون ثيابهم وينفضون التراب على رءوسهم فإن ذلك الوالي يجور في سلطانه فإن رأى كأن الوالي مات وهم يبكون خلف جنازته من غير صياح فإنهم يرون من ذلك الوالي سرورا
@-ومن رأى كأن الوالي مات والناس يذكرونه بخير فإنه يكون محمودا في ولايته
@-ومن رأى كأنه بين أقوام أموات فهو بين أقوام منافقين يأمرهم بالمعروف فلا يأتمرون بأمره قال الله تعالى (فإنك لا تسمع الموتى)
@-ومن رأى كأنه بقي معهم ميتا فإنه يموت على بدعة أو يسافر سفرا لا يرجع منه
@-ومن رأى كأنه خالطهم أو لامسهم أصابه مكروه من قبل أرذال (وحكي عن بعضهم) إن من رأى كأنه صاحب ميتا فإنه يسافر سفرا بعيدا يصيب فيه خيرا كثيرا فإن حمل ميتا على عنقه نال مالا وخيرا كثيرا وإن أكل مع الميت طال عمره ورؤية موت الوالي دليل على عزله وسكر الميت لا خير فيه وأما غسل الميت فمن رأى ميتا يغسل نفسه فهو دليل على خروج عقبه من الهموم وزيادة في مالهم فإن غسله إنسان تاب على يد ذلك الإنسان رجل في دينه فساد والمغتسل في الأصل تاجر نفاع ينجو بسببه أقوام من الهموم أو رجل شرف يتوب على يديه أقوام من المفسدين فمن رأى كأنه على المغتسل أرتفع أمره وخرج من الهموم فإن رأى بعض الأموات يطلب من يغسل ثيابه فإن ذلك فقره إلى دعاء وصدقة أو قضاء دين أو إرضاء خصم أو تنفيذ وصية فإن رأى كأن إنسانا غسل ثيابه فإن ذلك خير يصل إلى الميت من الغاسل وأما الكفن فقد قيل هو دليل الميل إلى الزنا فإن رأى كأنه لم يتم لبسه فإنه يدعى إلى الزنا فلا يجيب

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More