الاثنين، 14 فبراير 2011

الشخصية الساحرة


من هو صاحب الشخصية الساحرة ؟؟


هو رجل ملهم ، يأخذ بنواصي القلوب ، ويدفع الآخرين إلى احترامه وتبجيله .


يعرف جيدا أنه يتعامل مع أنفس لها متطلبات .. فتراه يبسط لها كف الجود . ويعطيها من كريم طباعة ، وأصالة معدنه ، لذا تراه ساكنا في دروب أرواحنا وأزقة قلوبنا بعذب حديثه تارة ، وبرهافة شعوره تارة أخرى .



لا يمله الناس . بل هم في لهفة لمجلسه ، وفي شوق لوصاله .


وكتابنا هذا :


يأخذ بيدك إلى اكتشاف تلك الشخصية ، والتأمل في جوانبها المختلفة ، وإفراد خصائصها ، وسرد السبل التي تساعدك على التحلي بشخصية ساحرة جذابة .


.. ولا استطيع أن أدعي أنني سأسر لك بسر الجاذبية ، أو أنني سأعطيك ترياقا أو تعويذة تجعلك شخصية ساحرة .


كلا فكل ما أدعي أنني سأهديك إياه هو السلوك المنطقي الواقعي ، والمهارات والعادات التي ثبت أنها من خصائص العظماء ، وأن تمثل الإنسان بها تزيد من جاذبيته ، وتجذب القلوب نحوه .


لا يوجد في هذا الكتاب قالب يدعى الشخصية الساحرة ولا قميص إذا ارتداه المرء صار نجما اجتماعيا .. كلا .


هذا الكتاب محاولة جادة لثقل شخصيتك ..و تعريفك بكوامن القوة ، وبواطن الداء التي بداخلك .


وما عليك قارئي العزيز إلا أن تتأمل في تلك الخصائص والسلوكيات ، وتنظر في مدى واقعيتها من وجهة نظرك .. ثم بعد ذلك تبدأ التطبيق على بركة الله .

إشارتان هامتان :




الأولى : أن الواحد منا لا يولد من رحم أمه محبوب أو مكروه ، فنحن الذين ندفع الناس إلى حبنا والقرب منا ، أو بغضنا والبعد عنا من خلال مجموعة من السلوكيات و الممارسات ، والتي يسهل مع قليل أو كثير من الجهد والتعب تعلمها والتدرب عليها .

والثانية : أن أكثر الأخطاء شيوعا في تعاملنا مع الآخرين ، والسبب الأول في فشل الكثيرين منا في إقامة علاقة طيبة مع الغير هو في مطالبتنا الآخر أن يكون كما نحب نحن ، لا كما هو .



إن أكثرنا يريد أن يتعامل مع الآخر وفق ما يتراءى له ويعجبه ، فتراه يكثر من توجيهه ونقده ومحاولة تغييره ، مما يفشل عملية التواصل ويجعل الطرف الآخر يتبنى موقف المدافع عن ذاته وشخصيته ، الرافض للوصاية التي تأتيه من الخارج .

لذا كان من الأهمية بمكان أن ندرك أن للآخر كيانا مستقلا ،له الحق في الاحتفاظ به ، ومن حقه كذلك أن نعامله كما هو ، بدون أن نحاول تغييره ، أو المساس بذاته .
أرصدة في بنك الشخصية الساحرة :
بامتلاكك شخصية ساحرة تزيد في رصيدك الشخصي ميزتان هامتان :

1. تقوية علاقاتك مع الآخر : فالشخصية الساحرة ترتبط بعلاقات مع الغير يغلب عليها طابع الحميمية والدفء والمودة ، وترى الآخرين يخطبون ودها نظرا لما لديها من رصيد إنساني راقي ، ومهارات في التشجيع والتحفيز والاحتواء مميزة .

2. التأثير في الآخر : عندما يحبك الآخر ، وينبهر بك سيكون مستعدا لتنفيذ ما تقول بلا ضيق أو تململ ، بل يكونوا على استعداد لتقديم تضحيات في سبيل رضا صاحب الشخصية الساحرة ، يضاف إلى ذلك أن الشخصية الساحرة بما تمتلكه من لباقة ومصداقية وشفافية تكون أكثر قدرة على إقناع الآخر والتأثير فيه .
وهاتان الصفتان ( توطيد العلاقات مع الآخرين والتأثير عليهم فيهم ) هم أهم صفتين من صفات القادة وصناع القرار في العالم ، ولن تجد زعيما أو قائدا يفتقر إلى أي من هاتين الصفتين ، اللهم إلا الطغاة والمتجبرين
قوانين الاتصال الجذاب:
إذا ما راقبت آراء الناس فستجد أنها تسير طبقا لقانونين :

1 – أن الناس ترى وتحكم بعواطفها .

2 – ثم تدافع عن آرائها بعقولها .

بنفس هذه الطريقة يتكون رأي الناس عنك . فإما أن يحبوك أو ينفروا منك . ثم بعد ذلك يبررون رأيهم هذا بكل ما يصدر عنك من أفعال وأقوال .
فاحرص على أن تكون اتصالاتك مباشرة وصريحة وموقوتة . لا تترك أي فجوات اتصالية بينك وبين الآخرين ، فهذه الفجوات سرعان ما تمتلئ بالإشاعات وسوء التفاهم .
إن الناس ورغم تظاهرهم بالعقلانية إلا أنهم يرون ويحكمون بعواطفهم ، ويؤكد علماء النفس أن أكثر من 90% من قراراتنا تبنى على أساس العاطفة وليس العقل والمنطق، و هذا ينطبق على الرجال والنساء .
فنحن نفكر بعقولنا ونقرر بقلوبنا وبعواطفنا كما يقول وليم جيمس.

إشارات مهمة :
انتبه ..


إن التواصل وبناء العلاقات وسيلة لا غاية .

وهل يغنيك شيئا حين تكون وجيها في أعين الناس ، صغيرا في نظر الله ..؟!
وهل يستشعر المرء منا نجاحا إذا علا اسمه ، وتردد ذكره وقلبه خال من محبه الله وتوقيره ..؟؟؟


بئسَ الزعامةُ إِن تكنْ أهدافَها حُبُّ الظهورِ وبئسَ من يتزعمُ

هزلَ الزمانُ فسادَ كلُّ مهرجٍ بالسيفِ واعتزلُ الأصيلُ الأكرمُ
الله هو الذي يعطي ويمنع .. ويخفض ويرفع .. منه نستمد العون .. وعليه اتكالنا .. فإذا سولت لنا أنفسنا شيئا من الغرور والاعتزاز بالنفس كان لزاما علينا أن نلجمها بلجام العبودية ، ونضبط عجلاتها على قضبان الطاعة ، ولله در الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة إذا يفشي سر نفسه ويقول : ( والله ما جلست مجلسا أنوي فيه أن ارتفع إلا لم أقم حتى يفضحني الله ) .
إننا كثيرا ما نغتر إذا جادت الألسنة بمدح شيء فعلناه ، أو عمل قمنا به ، ويفقدنا كثرة الثناء والمديح رويدا رويدا حقيقة كوننا تحت مصيدة الأقدار ، وأننا بفضل الله وتوفيقه حينا وبستره وعفوه أحيانا أخرى نحيا ونتألق ونتفاخر بين الناس .
وما الفخر .. وما التميز .. وما إعجاب الناس إلا هباء منثورا إذا لم يكن لك من الله سند ..
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : (إن الخطبة البليغة المُعجبة ، والكتاب المبين الذكي ، والجماهير العاشقة المتعصبة لا تساوي كلها قشرة نواة ، إذا كانت علاقة المرء بربه واهية .) .
ومن جميل حكم لقمان الحكيم قوله :
احذر واحدة هي أهل للحذر ، أن يرى الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر .
فجدد النية قبل أن تركب معنا أيها الهمام ..
واعلم أن محبة الناس ، والفوز بقلوبهم ، معقود بمحبة الله ، ونيل رضاه
، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنَّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إنَّ الله قد أحب فلاناً فأحِبَّه، فيُحِبُّه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إنَّ الله قد أحب فلاناً فأحِبُّوه، فيُحِبُّه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض" رواه البخاري .
شيء آخر لا يقل أهمية ، وهو أن التأثير في الآخرين وكسب قلوبهم ، يظل محدودا ، حينما يكون هدفا وغاية في حد ذاته ، أي أننا حينما نتمثل سلوكيات معينة ـ كالتي ستمر عليك في هذا الكتاب ـ كالتبسم والأناقة ، وتقبل وجهة نظر الآخر ، فقط كي نكسب ود الآخرين فإننا قد نتعب بعد فترة ونستشعر ثقل ما نقوم به ، أما حينما نؤمن بما نقوم به ونجعله خالصا لله سبحانه وتعالى ، فإنا حينها سنتحرك من منطلق القيم الخلقية التي نتبناها وستتجلى هذه القيم في صورة السلوك الطيب الذي نقوم به ، وسوف يتسلل هذا السلوك بخفة ومهارة في نفوس الآخرين ويداعب ( اللاوعي) لديهم فيتأثرون بها وهم لا يشعرون .
القيمة والمبدأ خير دافع للسلوك الإنساني ، فإنهما تكسبان السلوك متانة وقوة ، وينفخان فيه من روحهما الحارة ما يجعل تمكنه من قلوب الآخرين شديد .
يقول الرافعي : (لو قام الناسُ عشر سنين يتناظرون في معاني الفضائل ووسائلها،ووضعوا في ذلك مئة كتاب،ثم رأوا رجلاً فاضلاً بأصدق معاني الفضيلة ،وخالطوه وصحبوه لكان الرجل وحده أكبرفائدة من تلك المناظرة وأجدى على الناس منها وأدل على الفضيلة من مائة كتاب ،ومنألف كتاب ) .




قبل أن نمضي نحو غايتنا ..



مهلا .. تعرف على نفسك أولا ..

تـــــــــــأمل نفســــــك ..





اجب بنعم أو لا
.. اختر ما تطبقه في حياتك فعليا .. لا ما تستحسنه .

1. هل تؤمن بقدرتك على إضافة سلوك إيجابي ( كالصبر ، والحلم ، واللباقة ) أو التخلص من سلوك سلبي ( كالغضب ، والتهور ، الفشل في التواصل مع الغير) لحياتك ؟ نعم إلى حد ما لا


2. في معاركك الفكرية ، هل يكون هدفك هو إثبات رأيك ، وتغليب حجتك ، بغض النظر عن الطريقة التي تحاول بها ذلك ؟ نعم إلى حد ما لا


3. هل تُسلم على من تقابلهم في الشارع بغض النظر هل تعرفهم أم لا ؟ نعم إلى حد ما لا
4. إذا أهمك أمر شخصي ، فهل يلاحظ هذا الأمر زملائك في محيط العمل ؟ نعم لا

5. هل قرأت كتابا عن الإتكيت أو فن التعامل مع الآخرين ؟ نعم لا

6. هل أنت راض عن علاقتك مع من حولك ( زوجتك ، والديك ، أبنائك ، أصدقائك ،
زملائك في العمل ، مرؤوسيك ؟ نعم لا

7. هل تعتذر دائما حال خطئك ؟ نعم لا

8. هل تستطيع خلال دقيقة أن تذكر عشر أشخاص لا تتمنى رؤيتهم أبدا ؟ نعم لا

9. هل تقول ( شكرا) إذا أحضرت الخادمة ، أو أحد أبنائك ، أو زوجتك ، أو العامل في مكان عملك كوب ماء لك ؟ نعم لا

10. هل ترى أن معاملة الرؤساء ، والمديرين ، والشيوخ ، والرموز معاملة خاصة شيء من النفاق ؟ نعم لا

11. هل تشعر أن بعض أصدقائك يتجنبون الحديث معك ، ويتهربون من أي نقاش تكون موجودا به ؟ نعم لا

12. هل تحاول البحث وبإخلاص عن نقاط الاتفاق مع محاورك ؟ نعم لا

13. هل تعامل الناس على انهم مختلفون ولكل شخص طبيعته المستقلة ، حتى وان كانت هذه الطبيعة عكس ما تحب ؟ نعم لا

14. هل تطالب الاخر دائما بدفع الثمن ، كان يقابلك باحترام كما قابلته ، يقرضك كما أقرضته ، يساعدك كما ساعدته ؟ نعم لا

15. هل يتهمك الآخرين بالغرور وحب التفاخر ؟ تعم لا

16. هل تعتني بمظهرك وهندامك ؟ نعم لا

17. هل تشعر أنك مقصر في زيارة اهلك وأصدقائك .. والسؤال عن الغائب من معارفك ؟ نعم لا

18. هل تشعر أن شخصيتك كالأسفنجة ما انإن ترى شخصية وتعجب بها حتى تتشبع بخواصها وطريقة حديثها وتقلدها ؟ نعم لا

19. هل تؤمن بان وجهة نظرك هي مجرد جانب واحد من الحقيقة ، وانه ربما ثبت عدم صحتها يوما ما ؟ نعم لا

20. هل تنسى دائما اسماءأسماء الأشخاص الذين تتعرف عليهم ؟ نعم لا

النتيجة :

أعط لنفسك 5 درجات لكل سؤال أجبت عليه بنعم من الأسئلة الآتية ، رقم ( 1، 3 ، 5 ، 6، 7 ، 9 ، 13 ، 16 ، 19 )

أعط لنفسك 5 درجات لكل سؤال أجبت عنه بلا الأسئلة أرقام ( 2 ، 4 ،8، 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 ، 15 ، 17 ، 18 ، 20 )

أعط لنفسك درجتان لكل سؤال أجبت عنه ب إلى حد ما .
والآن :
إذا حصلت على درجة من (100:86) فنستطيع أن نقول لك تهانينا أنت بالفعل شخصية ساحرة ، وقراءتك لهذا الكتاب ستعد بمثابة ثقافة عامة لا أكثر .

إذا حصلت على درجة ( 85:76) فتهانينا كذلك أنت تقف وبثقة على العتبة الأخيرة التي تلي الشخصية الساحرة ، أنت فقط بحاجة إلى أن تنمي بعض المهارات البسيطة .

إذا حصلت على درجة ( 65: 75) فأنت شخصية طموحة ، لكن ينقصها تعلم بعض المفاهيم في عملية التواصل الجيد ، هذا الكتاب سيضع يديك على أماكن ضعفك ، وسيرشدك للعلاج إن شاء الله .

إذا حصلت على درجة ( 65 : 50) فأنت شخصية عادية ،وتقع للأسف في كثير من الإشكاليات في تواصلك مع الغير ، وإن كانت ليست بشكل متكرر ، مما يجعلك بحاجة كبيرة إلى معرفة أصول التواصل الجيد ، والمهارات الاجتماعية ، أنصحك بالإضافة إلى هذا الكتاب أن تقرأ كتابي ( خلق المسلم ، جدد حياتك ) للشيخ محمد الغزالي .

إذا حصلت على اقل من ( 50) فأنت بالفعل تواجه مشكلة ، وتحتاج إلى إعادة النظر في كثير من سلوكياتك ، أنصحك بإعادة التمرين بعد قراءتك للكتاب كاملا ، إذا لم ترتفع النسبة ، أنصحك بقراءة كل من ( كيف تؤثر في الآخرين وتكسب الأصدقاء لديل كارنيجي ) بالإضافة إلى الكتابين السابق الإشارة إليهما ، ويفضل حضور دورة تدريبية في فن التواصل .

أول صفتين من صفاة الشخصية الساحرة :



الصفة الأولى : كن نسيج وحدك ..

يقول كريم الشاذلي :
أجمل ما فيك هو أنك أنت ..
إذا وثقت بما حباك الله به من نعم ومقومات وشخصية . فستصل تلك الثقة إلى الجميع . وتدفعهم إلى احترام شخصيتك واستقلالها .
نعم هناك بعض المهارات الاجتماعية التي تساعدك كي تحسن من تواصلك مع الغير .
بيد أن هذا لا يعني أبدا الانسلاخ من شخصيتك ..
.. فالله سبحانه وتعالى خلق الناس متفاوتون في الطباع والأمزجة والميول .. لم يخلقهم نسخ مكررة ولا فئة واحدة ..
فمنا الجاد العملي ومنا خفيف الظل المرح ..
فينا الحيي الهادئ .. وفينا الجريء المقدام ..
وكل هذه الأصناف خير .. وكل ميسر لما خلق له ..
ما كان أبا بكر شبيها بعمر..
ولا عثمان كعلي .. ولا أبا ذر كخالد .. عليهم رضوان الله جميعا..
كل له طبيعته التي جبله الله عليها .. كما أن لكل رجل مهمة خلقه الله لها ..
يقول ربنا جل اسمه : { ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين } ، مختلفين في الطبائع .. مختلفين في الأهواء .. مختلفين في الأمزجة ..مختلفين في الميول .. مختلفين في كل شيء .
ذلك لأن اختلافهم سنة ربانية .. المقصود منها هو التعارف و التعايش والتكامل والتعاون .
يجب أن تفقه هذا أيها الهمام .. وتدرك أن لك شخصية مستقلة ومختلفة عن الآخرين .. والسقوط يبدأ حينما تتمرد على تلك الطبيعة .
السقوط يبدأ حينما تقلد و تكون امعةإمعة .. ليس لك شخصية مستقلة ..
يقول ديل كارنيجي : 'علمتني التجربة أن أسقط فورًا من حسابي الأشخاص الذين يتظاهرون بغير ما هم في الحقيقة'. فهولاءفهؤلاء المقلدون ، المتظاهرون بعكس حقيقتهم ، ابرز خصائهمخصائصهم عدم الثقة بالنفس ، والتذمر من تكوينهم النفسي والوجداني .
نعم .. قد نهذب بعض الصفات .. أو نتعلم بعض المهارات ..
أما أن نحاول أن ننسلخ من طبيعتنا ونلبس وجه آخر يعجبنا .. فلن ينطلي هذا الدلال على أحد .. ولله در الشاعرفهذا هو السقوط .. يقول الشاعر :
كل امرئٍ راجعٌ يوماً لشميتِهلشيمته * وإِن تخلَّق أخلاقاً إِلى حينِ
سُلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن عمر بن الخطاب فأجابت:
كان والله أحْوَذيّاً نَسِيجَ وَحْدِهِ قد أعَدَّ للأمور أقْرَانَها.. (جاء في النهاية في غريب الأثر لابن الأثير أن أحوذيا تعني الجاد المسرع . )
فهو فريد ليس له مثيل أو شبيه .. تماما كالثوب الذي من شدة إتقانه يصعب تكرراه ..
وهذا يعود في المقام الأول إلى عظمة المربي الذي صاغ هذه الشخصية .. فدلاله عظمة قائد من القواد .. أو زعيم من الزعماء ، هو أن يحيط نفسه بالعظماء أمثاله ، والنابهين الأذكياء .
ولذلك كان الحبيب صلى الله عليه وسلم صانع الرجال بحق ، فكان يؤيد لين أبا بكر .. وكذلك شدة عمر .. وبلاغة وحكمة علي .. وحياء وهدوء عثمان رضوان الله عنهم أجمعين .

أخي الكريم .. إن التقليد طمس للشخصية .. وضياع للهوية .. فحاذر أن تعيش في ثوب غيرك مهما أعجبك هذا الثوب ، بل كن علامة بارزة في دنيا الناس ، ونجم مميز يعرفه القاصي والداني لتفرده واستقلاليته

الصفة الثالثة : الرجل النحلة والرجل الذبابة

يقول كريم الشاذلي :
هناك أشخاص يعشقون التحليق مع أسراب النحل .. وآخرون ذو خصائص نفسية يشتركون فيها مع الذباب .
الرجل النحلة : يرى الجانب المشرق في كل شيء ، يبحث عنه بعين شفافة ، وإن لم يجده يصنعه . يؤمن بأن كل إنسان مهما كان فظا أو منفرا توجد فيه صفات خيرة تحتاج فقط إلى من يظهرها .
الجميع يحبونه ويشتاقون لرؤيته .. إذا زرناه في بيته وجدناه يغض الطرف عن هنات زوجته وأبنائه ، لا يعلق على كل كبيرة وصغيرة يمتدح جميل الفعل وان كان صغيرا . وإذا نقد نقد بشكل لا يجرح من أمامه .
وفي عمله كالشمس تشع بشر وحبور لا يرى إلا طيبا ولا يقع إلا على طيبا .
والرجل النحلة وصف للمؤمن بشكل عام قال سيد الخلق وحبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم ( والذي نفس محمد بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد)(صحيح) السلسلة الصحيحة للألباني . ‌
الرجل النحلة لا يجد صعوبة في حب أي شخص ، لأنه ببساطة بارع في اكتشاف الايجابيات ، ولا تعوزه القدرة على رؤية الجمال .
أما الرجل الذبابة : تراه يبحث بلا كلل عن عيب هنا أو تقصير هناك .. لا يرى إلا كل ما هو قبيح ولا يقع إلا على السيئ .
يرى العالم تكسوه العيوب .. ويصر على أنه لا أمل في الإصلاح .
لا يحب الجمال ويمقت التسامح حتى وإن لم يعترف بذلك .
إن أخطأ يوما وقال كلمة تشجيع أتبعها بـ ( لكن) .
الجميع يتحاشى انفعالاته .. ويستثقل انتقاداته .. ولا يبش لرؤيته .
ووصفنا له بالذبابة وصف لا تجني فيه ولا مبالغة ، فكما أن الذبابة تتبع مواضع الجروح والدمامل فتنكأها ، وتتجنب المواضع السليمة والصحيحة ، فكذالك هذا الصنف من البشر يتتبع معايب الناس وسقطاتهم وزلاتهم فيذكرها ، ويحوم حولها ، ويتجاهل متعمدا حسناتهم وجميل فعالهم .
وهو يحاول جاهدا أن يداري عيوب نفسه بإظهار عيوب غيره ، ومحاولة إفهام نفسه ومن حوله أن العيوب أكثر من الايجابيات ، يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مفسرا هذا السلوك : ما إن تكتمل خصائص العظمة في نفس أو تتكاثر مواهب الله لدى إنسان حتى ترى كل محدود أو منقوص يضيق بما رأى ، ويطوي جوانحه على غضب مكتوم ويعيش منغصا لا يريحه إلا زوال النعمة ، وانطفاء العظمة ، وتحقق الإخفاق ، والسر أن الدميم يرى الجمال تحديا له ، والغبي يرى الذكاء عدوانا عليه ، والفاشل يرى النجاح إزراء له ، وهكذا!!!! .
إذن فالرجل الذبابة رجل معتل النفس ، مريض القلب ، قد لاكت قلبه أنياب الحقد والحسد .
فهو يعيب على كل شيء .. بل ويتمنى العيب !!!.
وهؤلاء ( المعيبون ) هم شرار الناس يقولوقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفئة بأنها من شرار الناس يقول × (شرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب ) قال الألباني حسن انظر ( غاية المرام ) .

فاربأ بنفسك عزيزي القارئ أن تكون من هؤلاء ، غالب نفسك وشيطانك ، بل غالب عقلك الذي لا يفتأ يقارن ويصنف ويضع الدوائر حول الأخطاء التي يرتكبها الآخرون من حولك .
عقلك الذي أثبت علماء النفس بأن قدرته أخي الكريم : يقول علماء النفس بأن قدرة العقل البشري على اكتشاف السلبيات أعظم من قدرته على اكتشاف الإيجابيات ، لذا كان فمن الأهمية أن نجاهد أنفسنا ، ونبرمج عقولنا على اكتشاف ورؤية الأشياء الجيدة ، وإبراز الجانب الخير الكامن في نفوس الناس .يجب أن نجعل بداخلنا دائما شحنه من التشجيع والتقدير
وأن نثني على الجميل إن كان صغيرا ، وأن نعذر ونتغاضى عن الأخطاء ما استطعنا لذلك سبيلا ..



احترم وجهة النظر الأخرى
كثيرا ما نشتكي من أولئك الذين يسفهون آرائنا ، ونغضب بشدة من أن يصادر أحد حقنا في إبداء رأي أو تبني منهج أو وجهة نظر معينة . لكننا ـ كي نكون منصفين ـ نمارس نفس الخطأ مع الآخرين ، فما أن يهم أحد بمخالفتنا أو إبداء رأي مخالف لرأينا حتى ننتبه فجأة ونشحذ الهمم لدحضه وتسفيه رأيه .
إن إشكالية تبادل الرأي في مجتمعنا العربي سيئة للغاية ، وكثير ما نخسر أناس فقط لأنهم يؤمنون بعكس ما نؤمن به أو لأن تفكيرهم يتعارض مع تفكيرنا .
لقد قضت مشيئة الله تعالى خلق الناس بعقول ومدارك متباينة ، إلى جانب اختلاف الألسنة والتصورات والأفكار ، وكل تلك الأمور تفضي إلى تعدد الآراء والأحكام ، وتختلف باختلاف قائليها ، وإذا كان اختلاف ألسنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آية من آيات الله تعالى ، فإن اختلاف مداركنا وعقولنا وما تثمره تلك المدارك والعقول آية من آيات الله تعالى كذلك ، ودليل من أدلة قدرته البالغة ، وإن إعمار الكون وازدهار الوجود ، وقيام الحياة لا يتحقق أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شيء ، وكل ميسر لما خلق له ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) ( هود : 118 ـ 119) .
كان صلى الله عليه وسلم ينهى ويشده عن الاختلاف الذي يجر شقاق وخصام يقول صلى الله عليه وسلم (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) (صحيح) انظر صحيح الجامع للألباني . ولقد حدث أن اختلف رجلان من الصحابة في آية وسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج في وجهه الغضب فقال : إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب . رواه مسلم . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رجلا قرأ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية فقال : كلاكما محسن فلا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا . قال الألباني (صحيح) انظر مشكاة المصابيح .
هذا النهي ليس نهيا عن اختلاف الآراء أو وجهات النظر ، كلا فرسول الله rكان اشد الناس حرصا على أن يقول كل شخص كلمته ، بل كان يستمع من أصحابه لآراء ربما كان فيها ما يخالف وجهة نظره ، وكان يؤكد r دائما أنه على استعداد للنزول على القول الحق فنراه يقول r : (لا أقسم على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني ) (صحيح) انظر صحيح الجامع.‌ .
بيد أن نهيه وتحذيره r من أن يكون خلافنا في الرأي مجلبة لشقاق في العلاقة وقسوة في القلب وإيغار في النفس .
نهيه r أن يكون خلافنا خلاف للنفس لا للحق ، وللهوى لا لله .
يقول صاحب الظلال رحمه الله : ( ليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر ، انماإنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة نظر يصر عليها مهما تبين له وجه الحق في غيرها ، وإنما هو وضع الذات في كفه ، والحق في كفه ، وترجيح الذات على الحق ابتداء )


ففي غزوة بدر سبق النبي فى جيش مكة إلى موقع المعركة وما إن بدا يعكسر حتى أتاه الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكرى وقال يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه‏؟‏ أم هو الرأي والحرب والمكيدة‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏بل هو الرأي والحرب والمكيدة‏)‏‏.‏
قال‏:‏ يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ـ قريش ـ فننزله ونغوّر ـ أي نُخَرِّب ـ ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏لقد أشرت بالرأي‏)‏‏.‏

فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من القلب‏.‏
هكذا كان رسول الله r ، وهكذا يجب أن نكون ، تقبل r الرأي الآخر ، ونزل عليه حينما تبين له أنه حق ، ولا يعيبه ذلك ، ولا يقلل من مقداره.
إن اختلاف وجهات النظر ، ظاهرة صحية ، ودليل على قوة المجتمع الذي يرحب به ، لأنها تغني العقل وتخصبه ، وتفتح له الزوايا ليرى الأمور من أبعادها المختلفة ، ويضيف إليه عقل ثان وثالث .
(5) أفشوا السلام بينكم
طريقة سهلة وميسرة
خمس كلمات تقولها تعود عليك بالفوائد الجمة ، فهي إرضاء لله ، وإتباع للرسول ، وجلب لمحبة الناس ، وإسعاد للروح ،و تدريب على التواضع .
يقول سيد خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض فأفشوا السلام بينكم ، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم ) ( صحيح )السلسة الصحية للألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) قال الشيخ الألباني : صحيح .. سنن أبي داوود .
فضلا عن كون إلقاء السلام سنة وفضيلة حثنا عليها رسول الله ، فإنها أيضا سببا لحب الناس ، ومجلبة لودهم ، فعلى كل من يسعى لكسب حب الناس ألا يغفل إلقاء السلام ، ولا اقصد أن تلقي السلام على من تعرف فهذا لا يحتاج لبسط مقال ، بل على من لا تعرفهم من الناس ، ولقد اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عدم إلقاء السلام علامة من علامات يوم القيامة فقال عليه الصلاة والسلام (من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلي فيه ركعتين وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف) (صحيح) انظر صحيح الجامع للألباني .
فهي دلاله على سوء الخلق وقلة الإيمان .
.. ومن الأخطاء الشائعة في مجتمعاتنا تمسكنا ببعض الأمثال البالية التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا عقلي ، بل تتضارب معهما ، من ذلك المثل القائل ( كتر السلام يقل المعرفة ) ، ولا ادري حقيقة أي ذهن هذا الذي تفتق وأخرج لنا ذلك المثل الذي يصطدم بنصوص شرعية ، وقواعد اجتماعية ذات قيمة وثقل ؟! .
إن رسول الله حثنا أن نلقي السلام إذا قطع سيرنا حائل ففرقنا لبرهة من الوقت يقول × : (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه ) (صحيح) انظر صحيح الجامع للألباني.
ولقد بدا الرسول دعوته المدنية بثلاث فضائل كان منها إفشاء السلام ففي الحديث : ( كان أول شيء تكلم به أن قال يأيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) رواه بن ماجة وصححه الألباني . بهذه الخلال الثلاثة والتي منها إفشاء السلام وضع رسول الله لبناته الأولى لأعظم مجتمع في تاريخ الإنسانية .
كذلك فإن السلام هو تحية لأهل الجنة يقول تعالى عن لأهل الجنة :({تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44]، ويقول سبحانه وتعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26]، وقال: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:23].
مما سبق من الآيات والأحاديث يظهر جليا أهمية إلقاء السلام وإشاعته بين الناس ، ولكي تصل تحيتك إلى القلوب يجب ان تراعي ما يلي :
1. أن تلقيها وأنت باش مبتسم ، لا تقلها وكأنك تلقيها في الوجه كالحجر ، لتكن نابضة بمشاعر الود والحرارة القلبية الخالصة .
2. لا تقتضب في التحية ، قلها بهدوء ، وبأحرف واضحة .
3. لا تكتفي بهز الرأس أو الكتفين ، فقد يدلان على استهتارك ، وعدم تقديرك للشخص .
4. كما يجب أن تلتزم بهدي رسول الله في التسلسل ، فعن رسول الله انه قال : يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير . متفق عليه .
5. لا باس في أن تقول ( صباح الخير ، الله يعطيك العافية ، حياك الله ) بعد رد التحية الواردة عن رسول الله .
دفء المصافحة :
المصافحة إحدى الإشارات العالمية التي تدل على الترحيب ، فجل المجتمعات اليوم تقابل بعضها بعضا بأذرع ممدودة بالمصافحة .
وكثير منا لا يقدر هذا السلوك قدره ، بالرغم من أن التقاء الكفين ينبئ كل طرف بما يجول في قلب الطرف الآخر من مشاعر وأحاسيس !! .
فالمصافحة الحارة ، المليئة بالدفء والحب ، والمتبوعة بتمتمات تعبر عن الشوق والسعادة و تخبر الطرف الآخر انه يسكن في موضع مميز في القلب ، بعكس مصافحة مملة ، تُهز فيها الأيدي هزا فاترا كأرجوحة اصطدم بها طفل أثناء مروره !!.
فانتبه قارئ الهمام لمصافحتك ، وتأكد من أنها تنبض بأحاسيس ومشاعر إيجابية ، واحذر كل من :

المصافحة القوية الشديدة :
لقد صافحت أناس فكأني بهم يريدون تحطيم كفي ! ، هذه المصافحة تنقل للآخر مشاعر الكبر والفخر المبالغ فيه ، وتعمل عملها في صد الطرف الآخر ، ونفوره منك .

المصافحة الرخوة :
والتي هي اقرب بمصافحة النساء ، كثير من الناس يستاؤن منها ، ويفسرونها بتفسيرات كثيرة سلبية .
المصافحة الجافة :
منزوعة الحرارة ، والتي يشعر المرء من خلالها باللامبالاة والاستهتار .
لذا أنصحك صاحبي الهمام أن تكون مصافحتك فيها شيء من القوة المعتدلة ، وأن تحتوي على كف الطرف الآخر بلا رخاوة أو شدة ، ولتكن حريصا أن تبث في كفك شحنة من الحب والدفء والحرارة ، وزين كل هذا بابتسامة مشرقة ، وشفتين تتمتمان بعبارات الحب والترحيب .
غرائب :
في عهد يوليس قيصر كان الصديق حين يلتقي بصديقه ، يمد ذراعيه ويقبل نحوه ، ويفعل الصديق المثل ، حتى إذا اقتربا أحدهما من الآخر ، امسك كل منهما بساعدي زميله .
لا لم تكن العاطفة الجياشة وراء هذا السلوك ، بل كان السبب الأكبر للشك والتوجس المتوارثين من عهد الكهوف والمغاور ، ومن ثم كان إمساك الصديق بساعدي صديقه على سبيل التأكد من أنه لن يهاجمه غدرا وغيلة !!!! .


(6) احذر فخ ( الأنا) !!!
الكبر لا تخطئه عين ، والمتكبر معروف بين الناس ، الكل يعلمه وربما كان هو المخدوع الوحيد .
المتكبر
يحترف بناء الجدران العازلة التي تجعل بينه وبين الناس أمدا طويلا ، فهو بمعزل عن الصحبة الطيبة والنصيحة الخالصة والمحبة الصافية ، ولقد عرف رسول الله الكبر فقال (الكبر من بطر الحق وغمط الناس ) قال الألباني صحيح أنظر سنن أبي داوود . إذن فالمتكبر هو امرؤ لا يقبل الحق ، ويتكبر على من هم دونه .
والمتواضع
شخص عالي المكانة ، طيب المعشر ، بسيط في تعامله ، هادئ في تناوله للأشياء ، يقبل النقد ، بل ويساعدك على نقده ، فتراه يبني أسوار من التواصل ، ويمهد لك الطريق للوصل إلى قلبه . فهو رجل يقبل الحق بغض النظر عمن قاله ، ويرى نفسه اقل من الناس ، و يؤمن بأن أكرم البشر اتقاهم لله ، ورب ضعيف مسكين هو عند الله أعلى وأعظم من ملك أو وزير .
والله سبحانه وتعالي يوفق أصحاب النفوس المتواضعة ، يقول رسول الله r (ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك دع حكمته ) (حسن) أنظر صحيح وضعيف الجامع الصغير للألباني . فالله سبحانه وتعالى هو الذي يرفع ويضع ، وإن ظن المتكبر عكس ذلك وتوهمه . يقول رسول الله r (ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) صحيح .. صحيح وضعيف الجامع الصغير .
يقول الإمام علي بن أبي طالب :

حقيقٌ بالتواضعِ من يَموتُ ويكفي المرءَ من دُنْياهُ قوتُ
فيا هذا سترحلُ عن قريبٍ إِلى قومٍ كلامُهمُ سكوتُ
إنك أخي الحبيب لن تكسب قلب ، ولن تهنأ بصديق ، أو صاحب ، مالم تتواضع وتخفض جناحك لإخوانك .
فالله سبحانه وتعالى لا يحب المختال الفخور ، ويقذف في قلوب عبادة عدم الميل إليه حتى يدع ما به من كبر وتغطرس ، يقول سبحانه وتعالى على لسان لقمان لبنيه ({ولا تمش في الأرض مرحا) ويفسرها قتادة بقوله (قال: لا تمش فخرا وكبرا، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال، ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي. وأخرج ابن أبي الدنيا، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رأى رجلا يخطر في مشيه فقال: إن للشيطان إخوانا .
فحري بالمؤمن أن يتواضع و أن يخفض جناح الرحمة للناس .
الكِبر تبغضُهُ الكرامُ وكل من يبدي تواضعَهُ يَحبَّ ويحمَدُ
خيرُ الدقيقِ من المناخلِ نازلٌ وأخسُّهُ وهي النخالةُ تصعدُ
لقد عرف ربنا جل وعلا صحابة نبيه الكرام بأنهم رحماء بينهم فقال سبحانه (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) (29) الفتح . ويقول النبي r(الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) . السلسلة الصحيحة للألباني .ويقول أيضًا r ('إنما يرحم الله من عباده الرحماء) صحيح ( صحيح الجامع للألباني) .
الرحمة هي نبض العلاقات الإنسانية ، والوريد الذي يغذي البشرية بأنبل معانيها .
وهل قست الحياة علينا إلا بعد أن رأت باسنا بيننا شديد ..؟؟؟؟ .
تواضع أخي ترتفع .
. واعلم أن أعظم المتواضعين هو حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد حدث أن دخل عليه يوما رجل ، وفي ظنه أن سيقابل ملكا وأبهة ، وعندما دخل عليه أخذت ترعد فرائصه فقال له صلى الله عليه وسلم : هون عليك فإني لست بملك إنما أنا بن امرأة تأكل القديد . رواه بن ماجة وقال الألباني صحيح.
ولقد كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في حاجتها . رواه بن ماجة وقال الألباني صحيح .
يقول الدكتور عبدالكريم بكار حفظه الله : ( إن التواضع فوق أنه تعبير دقيق عن العظمة الحقيقية ، قليل التكلفة على المستوى الشعوري والعملي ، فالمتواضع يبدو دائما أقل من حقيقته ، ولذا فإنه يظل يكبر في أعين الناس دون جهد يبذل ، كلما كشفت لهم الأيام عن جواهره المخبوءة ! على حين المتكبر يضع نفسه في امتحان دائم فهو رجل عريض الدعاوى ، وعليه باستمرار أن يثبت أنه ليس أقل ما يُعرف عنه ، وهيهات هيهات أن يتم له ذلك !
إن الكبر يولد باستمرار التوتر المرضي لدى صاحبه ولدى المجتمع الذي يعيش فيه ، ويكفي في ذلك ما يحدثه المتكبر في المجتمع من معادلة الاحتقار المتبادل ! وقد أحسن من شبه المتكبر بالصاعد في الجبل يرى الناس صغارا ، ويرونه صغيرا . إن المتواضع كالأرض المنخفضة تجتمع فيها خيرات السماء ، على حين تغادر القمم والسفوح ! ولو لم يكن في التواضع سوى جعل صاحبه قادرا على جذب من هم أكثر منه تفوقا لكان مكسبا كبير ! . مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي . أ .د : عبدالكريم بكار .

تَوَاضَعْ تكنْ كالبدرِ لاحَ لناظرٍ على صفحاتِ الماءِ وهو رَفيعُ
ولا تكُ كالدخانِ يعلو تَجـــَبُّراً على طبقاتِ الجَوِّ وهو وَضيعُ
قصـــة مغرور :

منذ عدة سنوات، فاز أحد الأشخاص بالانتخابات النيابية في انجلترا، وأصبح عضواً في مجلس العموم البريطاني، كان هذا الرجل من احدى القرى الصغيرة خارج مدينة لندن لدى فوزه بالانتخابات، اعتراه شعور بالكبرياء، إذ أصبح له منصب هام في الحكومة البريطانية.
ذات يوم اصطحب هذا الرجل زوجته وأولاده في زيارة للندن، ليريهم مكان عمله، ومعالم تلك المدينة الشهيرة، وبينما هم يمشون وينظرون إلى تلك الأبنية العظيمة، كان هذا الرجل يفسر باعتزاز تاريخ تلك المباني التي كانوا يزورونها، وأخيراً اقتادهم إلى مبنى West Minster Abbey الشهير، حيث تقام كل المراسم الدينية للعائلة المالكة في بريطانيا.
لدى دخول العائلة ذلك المبنى، بانت معالم الذهول على وجه ابنته الصغيرة البالغة من العمر ثماني سنوات، نظر إليها والدها بافتخار، ثم سألها: بم تفكرين يا ابنتي؟ فأجابته قائلة: أفكر يا والدي كم تبدو أنت كبيراً في منزلنا، وكم تبدو صغيراً في هذا المكان ..!!!!!!!!!!!
هلك المتنطعون
هناك أناس نألفهم سريعا ، وآخرون نبذل جهدا خارقا ونحن نتكلم معهم.
الفئة الأولى هم أولئك الهينون اللينون ، الذين لا يتكلفون ، ولا يجبرون الناس على أن يعاملونهم بشكل فيه تكلف واصطناع .
والفئة الثانية هي تلك الفئة التي تأبى إلا أن تعامل الناس من برج عاجي ، وترفض انأن تُنادى إلا بألقاب معظمة مفخمة .!
وتعامل الناس كأنهم دونهم في المرتبة ، وهم في الحقيقة أدنى منهم واقل شانا .
ومن طالب الناس أن يعاملوه كنابغة ، فإنه يدفعهم إلى الاستخفاف به ، والتعامل معه كمعتوه يحتاج إلى علاج !!!
ومن هابَ الرجالَ تهيَّبُوه ومن حقرَ الرجالَ فلن يُهابا
وذلك لأن البشر تكره المتنطع ، وتأنف المتكبر المغرور ، ورحم الله الشافعي إذ يقول : 'من ساما بنفسه فوق ما يساوي رده الله تعالى إلى قيمته' .
وما قيمة المرء منا إلا ما حواه قلبه من تقى ، وعُرف عنه من طيب خلق .. وكرم أصل ، ورحابة نفس .؟
إن كلمة السر أخي الكريم في هذا الباب أن تعرف قدر نفسك ، وتعامل الناس على سجيتك بلا تكلف أو تنطع .
.. كثير ما تغتر نفوسنا بالثناء والمديح ، وهي الأعلم بما اقترف صاحبها من إثم وخطأ ا ، لكن سحر المديح يخدعها فتنخدع ، وتتصور أنها قد حازت الرفعة والسمو .
والأدهى أن تعيش في الوهم ، وتطالب الناس أن يزيدوا في خداعها ، ويكذبوا لها القول .
هنا يجب أن تُرد النفس إلى قدرها ، ويعود الرأس مطأطأ لله ، فيحترم الكبير ويوقره ، ويعطف على الصغير ويحنو عليه ، وإذا حاول أحد أن يغرر به حثا في وجهه التراب ، رادا الفضل كله لله .
حدث وان جاء ضيوف إلى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ذات ليلة ، وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى السراج فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه ، قال : أفأنبه الغلام ؟ فقال : هي أول نومة نامها ، فقام وملأ المصباح زيتـًا فقال الضيف : قمت أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعـًا .
خليفة ، لا تخدعه مظاهر الملك ، ولا عبارات المحيطين به ، رجل خليق أن يكون خامس الخلفاء الراشدين .


7) فن الإصغاء ..
يقول صفي الدين الحلي :

اسمع مخاطبة الجليس ولا تكن * * * عجلاً بنطقك قبلما تتفهـم
لم تعط مع أذنيك نطقـاً واحـداً * * * إلا لتسمع ضعف ما تتكلم
المستمع الجيد متحدث جيد ..
كثير ما سمعنا هذه العبارة ومن طبقها منا سيبهره حجم الصواب الذي وافقها.
فكل إنسان يحب أن يتكلم ويفرد ويبسط في مقاله ، ويكره أن يقاطعه أحد أو يوقفه ، وبالتالي فهو يحب أن يستمع له الآخر ويبدي اهتماما بما يقول .
فإذا أردت أن تكسبهم فدعهم يخرجوا ما في صدورهم .. اأتركتهم يتحدثوا قليلا .. تفهم فيهم تلك الحاجة البشرية .
إن حاجة المرء للبوح والحديث شيء يستحق التأمل ، بل إن بعض الحكماء عد الكلام شهوة من الشهوات التي يسعى المرء إلى إشباعها .
لذا كان المنصت الجيد الذي يتقن رسم الاهتمام على محياه ويهز رأسه هز من فهم ووعى وأدرك خطورة ما يقال هو من أحب الأشخاص إلى القلوب , وأكثرهم قبولا لدى شرائح الناس المختلفة .
كثر هم من يذهبون إلى الأطباء ليستمع إليهم لا ليصف لهم الدواء , وكم من امرؤ أحس ضيقا وقلقا حتى إذا أخرج ما بقلبه وتحدث فيما أهمه تراه قد هدأ واستراح , وكأن علته قد تبخرت مع حروف كلماته .
هل تظن أن هناك شيء قد يسعد الآخر أكثر من إصغائك له واهتمامك بما يقول ؟
إن كنت تظن ذلك حقا ، فجرب أن تقاطع الناس ، لا تدعهم يقولوا شيء فما سيقولونه سخيف وأنت تعرفه من قبل ، لا وقت لديك تضيعه في الاستماع إلى ثرثرتهم ، وتصديع الرأس بهمومهم ومشاكلهم .
استخدم هذه الطريقة المشهورة .. وحينها أهنئك .. فستتمتع بهدوء لا مثيل له .. لأنه ببساطة لن يكون لديك أصدقاء يجاذبونك أطراف الحديث ، ويشاركوك همومهم ومطالبهم !!!!! .
حتى في بيئة العمل اثبت الإنصات أن له نتائج مدهشة فلقد أظهر البحث العملي الذي أجرى على الأشخاص الذين ثبت أنهم مفاوضون ممتازون بعض النتائج المثيرة، فهم يستمعون ضعف ما يتكلمون غالبا، وهم يستخدمون عددا من الأساليب أو الخطط مثل: التلخيص، وتوجيه الأسئلة، كما أنهم كثيرا ما يستوضحون عادة أكثر من الأشخاص الذين هم متوسطو الحال .

وهذه أهم الخطوات التي تساعدك كي تكون منصتا جيدا :


1. الاستماع قبل أي شيء ! : .. هذا هو السر الأول والأكبر كي تكون منصتا متميزا .يجب عليك أن تستمع وبإخلاص لمن يحدثك، تستمع له حتى تفهمه، لا لكي تلقط منه عثرات وزلات من بين ثنايا كلماته، استمع وأنت ترغب في فهمه


2
2. أنظر إلى عين محدثك : فهذا يُظهر مدى اهتمامك بما يقوله ، ويُشعره بأنك مصغ له بكل جوارحك ، انتبه لا تثبت عينيك عليه بجمود ، ولكن تابعه بعين يظهر فيها الاهتمام والفهم .
3
3. قم بإشارات تدل على اهتمامك : لا تكن كالصخرة ، ارسم الاهتمام على وجهك ، وحاول أن تتجاوب معه بشكل كامل ، هز الرأس مثلا يدل على تواصلك معه ، قولك : نعم .. نعم ، أو حقا ؟ ، أو سبحان الله ؟ كلها ألفاظ تدل على انتباهك لما يقول .


4. لا تقاطعه : فمقاطعتك له تعني بكل بساطة أن ما يقوله غير مهم ، وأنك تعلم ما الذي يريد أن يقوله قبل أن يقوله ، وتعني بكل بساطة أن يصمت ويكف عن الثرثرة ، ومن أدب العرب ما نقل عن الأحنف ( إن الرجل يحدثني بحديث اعرفه من قبل أن تلده أمه ، فأصغي إليه حتى ينتهي منه ، واظهر له أني اسمعه لأول مرة)


5. حثه على المواصلة : فإذا توقف عن الكلام ، قل له حسنا وبعد .. . فإذا كان قد أنهى كلامه فسيخبرك ، وإن لم يكن فسيواصل كلامه ، وفي الحالتين سيكون مستريحا أنك غير منزعج بما يقول .


6. راجعه : إذا ما التبس عليك أمر ، أو كانت هناك نقطة غامضة في حديث محدثك ، فلا باس من أن تطالبه بمزيد من الشرح والتوضيح ، فهذا أفضل من أن تستمع بلا فهم ، او تنصت بلا وعي .


7. لا تجهز الرد في نفسك وأنت تستمع إليه : ولا تستعجل ردك على من يحدثك ، يمكنك تأجيل الرد لمدة معينة حتى تجمع أفكارك وتصيغها بشكل جيد، واحذر الاستعجال في الرد، لأنه يوقعك في سوء الفهم.


8. واجه محدثك بجسمك : أو على الأقل بوجهك ، حتى لا يشعر بأنك غير مهتم به أو تهمله .

9. بعد أن يفرغ محدثك من كلامه لخص كلامه وأعده عليه : قل له : أفهم من كلامك كذا وكذا ؟ ، أنت تريدين أن أفعل كذا أليس كذالك ؟ ، وإن أجابك بالنفي فاطلب منه أن يوضح أكثر .

10. قف مكان محدثك !! : ولا تفسر كلامه من وجهة نظرك أو من منظورك الشخصي ، بل حاول أن تتقمص مكانه ، وترى بعينيه ، بهذا ستفهمه أقدر ، وستتفهم لما قال ما قال .

لا تكن لوح ثلج إن كان غاضبا ! : ولا تبتسم إن كان حزينا ، حاول أن تتوافق مع حالته النفسية ، لا تطالبه بتهدئة روعة إذا كان ثائر ، واحذر أن يشعر أنك تستخف بحالته النفسية



الى أختنا بنت عمرو خالد ... تابعى معانا نفس الموقف اللى حضرتك ذكرتيه
درس نبوي في أدب الإصغاء

قال عتبة بن ربيعة يوما وهو جالس في نادي قريش والنبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون .
فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه .
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال : يا أبن أخي إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامه وعبت به آلهتم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل يا أبا الوليد أسمع .
قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا في أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه .
قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟
قال : نعم .
قال : فاسمع مني .
قال : افعل .
قال : { بسم الله الرحمن الرحيم . حم تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره متعمدا عليهما يستمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد . ثم قال . قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك . (حسن) فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي
(8)الأنـــــــاقــة
أما الطعامُ فكلْ لنفسِكَ ما اشتهيت **** واجعلْ لباسَكَ ما اشتهاه الناسُ
ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
( إن الله جميل يحب الجمال ) ، والجمال مطلب فطري ، فالنفس تحبه والعين تألفه والروح تهفو إليه ، وفي أي شكل تبدى الجمال تجد له جمهورا من أصحاب النفوس الطيبة والفطر السليمة .
ومظهرك هو عنوانك .. فأول ما يعرفه الناس عنك هو شكلك .. فإن كان مهندما أنيقا استحسنوه ، وإن كان فوضويا كان لهم فيك رأيا غير مستساغ .
خاصة وأن كثير من الناس يربط ما بين ترتيب الهندام وترتيب الأفكار !! . . وفوضى الملبس وفوضى الذهن !! .
( فلا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل أو بالأفكار الكبيرة ، فإن لمنظرها القبيح في النفس خيالا أقبح ، والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة لا بد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه .. فبالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد يجد الإنسان في نفسه نزوعا إلى الإحسان في العمل ، وتوخيا للكريم من العادات ) . مالك بن نبي .. مشكلة الثقافة .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الرجل الفوضوي الغير مهندم ، ولقد حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته ففعل الرجل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان . قال الألباني صحيح أنظر السلسلة الصحيحة . لقد شبهه صلى الله عليه وسلم بأنه كالشيطان ، وهو تشبيه شديد يفيد حجم كراهة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يرى أصحابه غير مهذبي الخلقة والشكل .

وهذا الخليفة الزاهد الورع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : "إنَّه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح".
وجمال المظهر لا يعني ابدأ اللباس غالي الثمن , والعطر الثمين النادر ، كلا .. فكثير ما نجد البساطة في الملبس هي سر جمال المرء وجاذبيته ، وإنما أردنا بالأناقة ما يلي :
1. أن يكون الثوب متناسق الألوان .. غير غريب ولا مستنكر ، وأن يناسب المجتمع الذي تتعامل معه ..

البسْ لكل حالةٍ لبوسَها إِما نعيمَها وإِما بوسَها
2. أن يكون لباس خير فلا إسراف فيه ولا كبر .
3. عدم المبالغة ، فللبساطة سحرها الخاص .
4. أن يكون شعرك منسقا ولحيتك مهذبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اتخذت شعرا فأكرمه ) قال الألباني حديث حسن أنظر صحيح الجامع.
5. تجنب التقليعات الغربية في قصات الشعر وتربية الأظافر .
6. أن تكون رائحتك طيبة ، وإذا استخدمت عطرا فتجنب الروائح الغريبة والنفاذة .
ولقد كان رسول الله صلى الله على ورعه وزهده جميل المظهر ، لا يُشم منه إلا أطيب الروائح ، كان يدهن شعره ويمشطه ويأمر أصحابه بتهذيب أنفسهم وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وجمال الشكل لا يغني عن جمال القلب والنفس بطبيعة الحال ، و رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره . صحيح الجامع
لكن الطامح في كسب قلوب الناس ، المقتفى لأثر سيد الناس صلى الله عليه وسلم ، يجب أن يدرك أهمية أن يكون جمال ظاهرة دلالة على جمال باطنه .

تحرَّمن الأثوابِ أرفعَها تنلْ أَعَزَّ محلٍ ترتقي لالتماسهِ
ولا تبغِ في أمرِ اللباسِ تواضعاً فعنوانُ نبلِ المرءِ حسنُ لبسهِ
هذا غير شيء هام يجب عدم إغفاله هو أن اللباس يؤثر في نفسية لابسه ، وكم من مرة أحسسنا بالنشاط والمرح التفاؤل بسبب أناقتنا واتساق هندامنا .
إن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن يكونوا كالنجوم الوضاءة ، ما أن تقع عليهم العين حتى ترتاح لمنظرهم ، فإذا خاطبهم الناس رأوا من جمال الروح ما يفوق جمال الملبس .
أما أن نرى متدينون يهملوا في هيئتهم متذرعين بالزهد والورع ، فإنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هم فتنة ، يفتنون الناس عن دين الله ، وعن جمال وروعة ونظافة الإسلام .
و عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سحب ثيابه لم ينظر الله إليه يوم القيامة .
فقال أبو ريحانة : لقد أمرضنا ما حدثتنا إني أحب الجمال حتى أجعله في نعلي وعلاقة سوطي افمن الكبر ذلك ؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده لكن الكبر من سفه الحق وغمط الناس أعمالهم . السلسلة الصحيحة للألباني .
9) احذر الغيبة

الغيبة لها مذاق خاص تستحسنه القلوب المريضة ، وتتلذذ به النفوس الخربة ، وهي صفة ممقوتة شرعا ، بغيضة عرفا ، يقول عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه (الغيبة مرعى اللئام ) ، فهي دليل على نقص الورع والإيمان ، وإشارة إلى تمكن الشيطان من القلب .
وعلى كل من يطمح في كسب قلوب الناس أن يتورع عن تلك الصفة المذمومة ، وينأ بنفسه بعيدا عن مجالس الغيبة والكلام في أعراض الناس والتلذذ بذكر عيوبهم . فالمغتاب ـ بخلاف توعد الله له ـ تجده منزوع الهيبة ، فاقد الاحترام ، لا يأمن الناس لسانه ، ويتجنبون الحديث عن أسرارهم أو ما يهمهم أمامه .


ولسان حالهم : من اغتاب اليوم فلان أمامي ، سيغتابني غدا أمام سواي .


تعريف الغيبة :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما الغيبة ذكرك أخاك بما يكره إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ) (صحيح) أنظر صحيح الجامع

الغيبة إذن هي ذكر شيء تعلم أن أخاك يكرهه حتى وإن كان فيه .
والبهت هو القول بالباطل ، كأن ترميه بما هو منه براء .

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا : لا يأكل حتى يطعم ولا يرحل حتى يرحل له
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغتبتموه
فقالوا : يا رسول الله إنما حدثنا بما فيه .
قال : حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه .
قال الألباني حديث حسن ( أنظر صحيح الترغيب والترهيب)

ويعرفها الإمام النووي ( رحمه الله ) بقوله :
(ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلْقه أو خُلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو الإشارة أو الرمز) الأذكار .

وقد تتخذ الغيبة شكلا ملتفا ! ، كأن يقول الشخص حينما يذكر نفر من الناس ( الله المستعان ، الله يهدينا ويهديه ، الله يعافينا ) .

وتوعد الله سبحانه وتعالى للمغتاب شديد ،ولقد حدث وأن مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فيعذب في البول وأما الآخر فيعذب في الغيبة .
رواه بن ماجة وقال الألباني حسن صحيح.

ولقد شبه ربنا جل وعلا المغتاب بآكل اللحم الميت ، وهو تشبيه شديد ، صعب ، المقصود به تنبيه المؤمنين ، وكذلك إرهاب ذوي القلوب المريضة المعتلة التي تجد في ذكر عيوب الناس أنس وحلاوة ، قال تعالى: { ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} [الحجرات:12].

إن من فضل الله على العباد أنه استحب ستر عيوب الخلق ، ولو صدق اتصافهم بها . وما يجوز لمسلم أن يتشفى بالتشنيع على مسلم ، ولو ذكره بما فيه . فصاحب الصدر السليم يأسى للآم العباد ، ويشتهي لهم العافية ..
أما التلهي بسرد الفضائح وكشف المستور ، وإبداء العورات ، فليس مسلك المسلم الحق .
قرع على بوابة المجد

(10) كن ميسر .. مبشر
فهذا هو شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم للفاتحين الأوائل ، أنت بحفظه والعمل به أحوج .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل السرايا ، ليفتحوا القلوب .. وينيروا الطريق للأفئدة الحائرة ، كي تنعم بالأنس بالله وكان وصيته صلى الله عليه وسلم (بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) قال الشيخ الألباني : صحيح أنظر السلسلة الصحية .
كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدميه الشريفتين .. وكان يصل الليل بالنهار صائما ..
لكنه كان يعلم أن قدرة الناس تختلف فلم يأمرهم بكل ما يفعل صلى الله عليه وسلم بل كان يعامل كل شخص بما يراه مناسب له ..
لقد حدث ذات يوم وأن جاءه أعرابي يسأل عن الإسلام .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة.
فقال : هل علي غيرهن ؟
فقال لا إلا أن تطوع ... ثم قال صلى الله عليه وسلم : وصيام شهر رمضان .
قال : هل علي غيره ؟
قال صلى الله عليه وسلم : لا إلا أن تطوع . ثم ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة .
فقال : هل علي غيرها ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : لا إلا أن تطوع .
فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح الرجل إن صدق . متفق عليه
أين الجهاد .. والقيام .. والصدقة ..
لم يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة بل قال ( إلا أن تتطوع)
إنه ييسر على رجل ربما كان غير قادر على إتيان الكثير من النوافل ..
موقف آخر .. فلقد حدث وأن دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى حبلا ممدودا بين ساريتين فقال ما هذا الحبل فقالوا لزينب تصلي فإذا فترت تعلقت به فقال النبي صلى الله عليه وسلم حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد . قال الشيخ الألباني صحيح .
وهذا درس آخر .. بل وهذه حقيقة أخرى .. وهي أن التيسير في الدين هو الأصل ، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل . متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم ناصحا أمته :إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا و أبشروا ويسروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة . سنن النسائي وقال الشيخ الألباني صحيح .
من كل ما سبق يظهر لنا جليا أن من أهم علامات الشخصية السوية أنها مبشرة لا منفرة .. وميسرة لا معسرة .
هناك أشخاص يكلمونك ساعة فيشعروك بأن جنة الله بعيدة .. صعبة المنال .. وأننا هالكون لا محالة .
وهذا ادعاء على الله ورسوله .
اين هم من قوله تعالى (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة 185
أما أنت أخي الكريم فبمنهج المصطفى تمسك .. فلم نرى .. ولم نسمع بُحب احد لأحد ، كحب أصحاب محمدٍ محمدا ، وما كان هذا الحب من فراغ بل بسبب تلك الصفات النبيلة التي كانت تنتضح في سلوك النبي القدوة صلى الله عليه وسلم .
لا ضير أن تتشدد على نفسك .. لا ضير كذلك أن تأخذ بالعزائم .. ولكن مع عموم الناس فيسر .. وإذا وجدت ضعيفا فبين له الرخصة وإن لم تأخذ أنت بها .. ولا تفتي الناس بورعك .
يقول د . يوسف القرضاوي حفظه الله : إننا في عصر شغل الناس فيه بحياتهم الدنيا‚ وغلبت عليهم النزعة المادية البغيضة‚ وللشيطان في الناس سوق نافقة‚ وبضاعة رائجة‚ وعملاء مدربون .
ولهذا ينبغي لأهل الفتوى أن ييسروا ما استطاعوا‚ وأن يعرضوا على المسلم جانب الرخصة أكثر من جانب العزيمة‚ ترغيباً في الدين‚ وتثبيتاً لأقدامه على طريقه القويم .
ويقول حفظه الله ناصحا الدعاة : وعلينا نحن معلمي الدين أن نشحذ أسلحتنا لجهاد الشيطان ومطاردته‚ وننفر أتباعه من بضاعته‚ وإغرائهم ببضاعتنا‚ وجذبهم إلى سوقنا‚ ولن يكون ذلك أبداً بالتعنت والتزمت‚ والإحراج والتشديد والتعسير والتنفير .
أهمية أن تكون مبشراً : المبشرات بانتصار الإسلام للشيخ القرضاوي .
1 ـ لأن التبشير مطلوب ولأننا مأمورون بصفة عامة أن نبشر ولا ننفر.
2ـ لأن المسلمين عامة والعاملين للإسلام خاصة يمرون بمرحلة عصيبة من مراحل تاريخهم المعاصر‚ وتكاد تغلب في هذه المرحلة عوامل اليأس ومشاعر الإحباط‚ وهذا الشعور إذا استسلمت له الأنفس قتل فيها الهمم‚ وخدر العزائم‚ ودمر الطموحات‚
3ـ لأن القوى المعادية للإسلام‚ تريد أن تعلن ـ بل قد أعلنت بالفعل ـ على الإسلاميين حرباً نفسية‚ تيئسهم من الأمل في غد أفضل‚ والرجاء في مستقبل مشرق‚ وبدأت حملات مسعورة‚ تحركها قلوب موتورة‚ وتقودها أقلام مأجورة‚ وأبواق مأمورة‚ تتهم وتلطخ وتشوه كل ما هو إسلامي‚ لهذا كان علينا أن نقاوم هذه الحملات المعادية بسلاح مضاد‚
4ـ لأن كثيراً من المتدينين يشيع بينهم فكر مغلوط عن «آخر الزمان» وبعبارة أخرى: عن مستقبل أقرب إلى السواد‚ إن لم يكن أسود حالكاً‚
لهذا كنا في حاجة إلى تجلية حقيقة «المبشرات» الغائبة عن كثيرين .
من سلوكيات المبشر : المرجع السابق بتصرف.
1ـ تغليب الأمل والتفاؤل .
2 ـ تغليب جانب الرحمة والمغفرة والعفو الإلهي على جانب البطش والعقوبة والانتقام .
3 ـ اتساع الصدور لكل الناس وإن لم يكونوا على المستوى المنشود‚
4 ـ الرفق بالإنسان إذا وقع منه الخطأ‚ فمن شأن الإنسان أن يخطئ وينسى‚
5 ـ التدرج بالناس في الدعوة والتعليم



(11) أخلاقك عنوانك
(سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات وحسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات ) . يحيى بن معاذ رحمه الله
يقول شاعرنا العربي :

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا

حسن الخلق تاج يوضع على رأس كل مهذب عف اللسان ، حيي الجوارح ، تاج منظور لكل الناس ، يبرق فيخطف لب الأشهاد ، ولما لا والخلق الحسن بضاعة نادرة في هذا الزمان ، وسلوك قل أن تجده وأن تسير في دنيا الناس ، وتتبدى أهميته في حديث رسولنا

(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) السلسلة الصحيحة للألباني ، فنراه وقد جمع رسالته كلها في هذا الهدف الجميل ( مكارم الأخلاق) ولقد عاش عليه الصلاة والسلام فما عُرف عنه سوى دماثة الخلق ، وطهارة القلب ، وعفة اللسان ، فهو الصادق الأمين في الجاهلية ، نبي الرحمة في الإسلام .

ولقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء قليل العبادة حسن الأخلاق على المرء كثير العبادة سيء الخلق ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجل يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار قال يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها قال هي في الجنة . قال الألباني ( صحيح) انظر صحيح الترغيب والترهيب .
إننا كثيرا ما نجد أشخاصا يتجنب الناس الاحتكاك بهم خوفا من سوء أخلاقهم ، فيلين لهم الناس في الكلام خوفا من أن ينالوهم بألسنتهم ، وهؤلاء هم اشر الناس عند الله ، ولقد حدث أن استأذن احدهم في الدخول على رسول الله وهو عند السيدة عائشة رضي الله عنها فقال : ائذنوا له بئس أخو العشيرة ، فلما دخل ألان له الكلام !!

فقالت السيدة عائشة : يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت الكلام .
قال أي عائشة : إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه . قال الألباني : صـحـيـح ( أنظر الأدب المفرد) .

أخي الحبيب : إن حسن الخلق مدخل لمحبة الله ، واستجلاب لمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسبيلك إلى محبة الناس ، ولقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الخلق بالقرب منه في الآخرة ، ففي الحديث (إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ) (صحيح) انظر صحيح الجامع للألباني .
و الرجل يوم يكون صاحب ثروة طائلة من الصدق والشرف والرحمة والوفاء والعفة فإنه يطمئن إلى أن ثروته هذه ستوطئ له الأكناف ، وتفتح له القلوب وتضيء له النواصي ..

وعلى العكس من ذلك فإن الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة التي تطلع على الأفئدة. إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي .

إذا أردت أخي الحبيب أن تكون شخصية جذابة فاعمل دائما على تهذيب أخلاقك ، وهذا يتأتى بالنظر المستمر في بنائك الداخلي ،فإننا قلما ننظر على الداخل ، لأن الانشغال بعيوب الناس ، والتشهير بها ، والإسقاط عليها ، لم يدع لنا فرصة في تأمل بنائنا الداخلي ، والأثر يقول : ( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ) . عمر عبيد حسنة في مقدمة أدب الاختلاف في الإسلام ( والحديث ضعيف جدا انظر صحيح وضعيف الجامع) .
القلة فقط هي التي تنظر في ذاتها ، فتصحح وتقوم وتهذب .. القلة فقط هي التي تتعهد سلوكها وتنتبه إلى الشائن من أخلاقها فتقوم المعوج ، وتُصلح الشاذ .

نقطة أخرى يجب الانتباه إليها ، لأننا ـ وبدون قصد ـ نقع فيها كثيرا ، وهي أن يجرنا أحد الغوغاء ، ساقطي المروءة إلى مستوى أخلاقي ضحل. للأسف هذا يحدث كثيرا ، ونقول بعدها في حسرة هو الذي جرنا إلى هذا بسوء خلقه ، يقول الراشد : ( إننا أصحاب دعوة أيها الأخوة ، ولا يجوز أن ننزل عن مستوى دعوتنا الرفيع إلى حضيض التراشق برديء الكلام ، ولا يعذرنا الله إذا تركنا هذا المستوى العالي ، الذي أكرمنا به بحجة أن غيرنا جرنا إليه ، إذ المؤمن لا يترك درجة من درجات إيمانه باستغوا شيطان أو جهالة جاهل ، بل من الواجب أن نقول : الله اغفر لنا وله ، واهدنا وإياه ، ولا تجعل غضبنا لنفسنا ، ولا في عملنا شيئا من أهوائنا ) محمد أحمد الراشد العوائق .
كيف أهذب أخلاقي ؟؟
الأخلاق تتأتى بالتعود ، وتعهد النفس ، ومراقبة السلوك ، وليس بالطرح المعرفي المجرد .
يقول أبو تمام :

فلم أجدِ الأخلاقَ إِلا تخلقاً ولم أجدِ الأفضالَ إِلا تَفَضُّلا
فالأخلاق ليست شيئا يكتسب بالقراءة والكتابة، أو الخطابة والدعاية، إنها درجة تكتسب بالمعاناة الشديدة، كيف تنتقل من أدنى إلى أعلى؟ كيف تنتقل من الطراوة إلى الصلابة؟ والمرء في هذا الميدان يصنع نفسه، وهو أدرى بما يشتهيه من كسل أو بخل أو خوف... إلخ، فيرسم طريق الشفاء ومراحل الخلاص، ولا يزال يتابع السير، ويغالب العقبات حتى يبرأ من عمله . قرع على بوابة المجد .
....(12) كن صاحب ثغر بسام .
[align=center]الابتسامة مفتاح القلوب ..[/align]
وقد يكون الفرق بين كلمة هينة وكلمة قاسية أن الأولى تصاحبها ابتسامة والثانية جافة لا بسمة فيها ولا انفراجة ثغر !
ولقد أوصانا حبيبنا صلى الله عليه وسلم بالابتسامة فقال (تبسمك في وجه أخيك صدقة) السلسلة الصحيحة للألباني .
فالبسمة سلوك إسلامي ، بل هي عبادة نجني من ورائها الحسنات .
وغياب البسمة اليوم ربما يرجع إلى غيوم الكآبة التي تنتشر في سماء العالم من جراء حركة الحياة السريعة ، لكنها ـ خاصة لنا نحن المسلمين ـ تعود إلى ضعف في الإيمان ، وإلا فالمسلم بشوش الوجه ، لا تهزمه النائبات ، ولا تجبره صروف الدهر على تقطيب جبينه ، أو التجهم .
البسمة تجذب لك القلوب ، انظر لحديث رسول الله
( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق )
. (حسن) انظر صحيح الترغيب والترهيب .
فالابتسامة صدقة .. الابتسامة معروف ..الابتسامة توطئ لك الأكناف وتفتح بيسر مغالق القلوب .
فهل الابتسامة تكلف الكثير ..؟ .
هل هي شاقة أو أنها تؤذي الوجه ؟؟!
فإذا كانت الإجابة لا كما نردد أنا وأنت ، فلماذا إذن الزهد في الابتسام ، والإسراف في التكشير والعبوس ..؟؟
. الابتسامة ـ قارئي الحبيب ـ لا تكلف درهما وفي المقابل فإنها تضيء الوجه وتنشر عبقا فريدا ، وبهجة وفرحا لا يوصف .
ونحن في زهدنا عن الابتسامة نلقي بأنفسنا طواعية في بئر من الكآبة والقلق ونصنع بيننا وبين من نحب حواجز وأسوار تصعب عليه الوصول إلى قلوبنا المنهكة .


ورغم كل هذا نجد أن هناك أناس يعشقون تقطيب الجبين ، وعقد الحاجب ، ولهم في هذا ثلاث حجج دعونا نعرضها :


أما الحجة الأولى

فهي أن التبسم ينفي الجدية والوقار :

ويرى معتنقو هذا الرأي أن العبوس والحزن دليل على النضج ، وكأن البسمة خطيئة لا يجدر بالمرء إعلانها وهذا جهل شديد بطبيعة النفوس ، وجهل أشد بطبيعة الدين الذي نعتنقه ، فما كان التبسم أبدا منقصة من رجولة المرء ، بل دلالة على رقة قلبه وعظيم نبله وما تقدم لدينا من أحاديث يفند هذا الادعاء الكاذب ، فهذا رسولنا وحبيبنا ومعلمنا يصفه رواة الحديث بأنه كان يضحك حتى تظهر نواجذه ، ولقد روي عن سماك بن حرب أنه قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال :
( نعم كثيراً ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام ، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية ، فيضحكون ، ويبتسم ) رواه مسلم.
ولله در الإمام بن القيم رحمه الله إذا يقول
( إن الناس ينفرون من الكثيف ولو بلغ في الدين ما بلغ ، ولله ما يجلب اللطف والظرف من القلوب فليس الثقلاء بخواص الأولياء ، وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفة هناك ، وإلا فهذه الطريق تكسو العبد حلاوة ولطافة وظرفا ، فترى الصادق فيها من أحبى الناس وألطفهم وقد زالت عنه ثقالة النفس وكدورة الطبع ) .
والحجة الثانية
أن الضحك يميت القلب :
واستدل معتنقو هذا الرأي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
( لا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب )
صحيح انظر صحيح الجامع للألباني .
ولهؤلاء أقول أن التوسط لب الفضيلة ، والنهي المذكور في الحديث نهيٌ عن عدم الانضباط في سلوك معين وهو الضحك ، وهذا ينطبق على كل أمور الحياة فالإسراف في الحزن والفرح والكآبة والسرور مكروه ، كما أن الإسراف في المطعم والمشرب والنوم والعمل مكروه أيضا . وهي كلها أشياء حلال في أصلها ، والتوسط في كل الأمور هو الخير ، ولقد عرف رب العزة جل وعلا أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنها أمة وسطا . فكأن التوسط معقود به خير هذه الأمة
وحجة ثالثة تقول
القلوب مهمومة والعقول مشغولة فكيف نبتسم !؟ :
فاجأني صاحبي بهذا السؤال ردا على سؤالي له لما لا تضحك !! ، فتبسمت رغما عني وقلت : مهلا .. مهلا .. ومتى خلت قلوب الكبار من المهمات ، ومتى استراحت عقول المكافحين وأصحاب المثل العليا وورثة الأنبياء ، إن القلوب العظيمة كما يقول الأديب خليل جبران لا يمنعها حزنها من أن تغرد مع القلوب الفرحة السعيدة ، والابتسامة سكين حاد تشق به جمود الحياة و ضحتك كالندى تسقط فتزيل الغبار عن الأيام والليالي .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المثقل بهموم أمه بأكملها يبتسم ويستعيذ من الحزن ، انظر إلى الصحابة لهم في اللهو منهجا وطريقة ، بل إن أصحاب الدعوات المعاصرين والذين افترشوا السجون ليالي طوال كان لهم في البسمة سهما وافرا وهذا الشيخ عبدالحميد كشك عليه رحمة الله مثالا لما نقول .
فالضحك والتبسم ليس صفة للقلوب الفارغة ولا يقترن بالعقول المستريحة ، بل هو طبع من طبائع الشخصية السوية .. ودلالة من دلالات الرحمة والعطف .
لذا وجب أن نقول أن الابتسامة والوجه الباش أهم سهم في جعبة الشخصية الساحرة ..
فهل تستطيع أن تجعل الابتسامة من سماتك الشخصية التي تعرف بها ؟
ليست المسالة صعبة ، فقط استشعر حجم الحسنات التي تحصدها بابتسامتك .. والقلوب التي تسعد ببشاشة وجهك ، وليكن شعارك ..
ابتسم .. تكسب قلبا .. وترضي ربا ..
ولتكن حجتك قول عبد الله بن الحارث رضي الله عنه :
"ما رأيت أحداً أَكثر تبسُّماً مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه الترمذي بسند حسن



فللكبار مكانة .. ولعلية القوم أسلوب خاص في التعامل ، وإن كان حسن الخلق مبدأ أساسي في تعاملك مع جميع البشر ، إلا أن هناك أناس يجب أن ترفع قدرهم ، وتحفظ لهم مكانتهم .

وفي الحديث الشريف
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعض بيوته فدخل عليه أصحابه حتى غص المجلس وامتلأ فجاء جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه فلم يجد مكانا ، فقعد على الباب ، فلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ردائه فألقاه إليه وقال له :
( اجلس على هذا )
فاخذ جرير ووضعه على وجهه ، وجعل يقبله ويبكي ، ثم لفه ورمى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما كنت لجلس على ثوبك ، أكرمك الله كما أكرمتني ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالا ثم قال :
(إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه )
( صحيح) السلسلة الصحيحة للألباني ,


فكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام شرفاء القوم وكبرائهم دليلا على أن الزيادة في الإكرام والتبجيل والاهتمام للخاصة أمر محبوب ومطلوب ، وليس رياء أو نفاق ، بشرط ألا يكون على حساب تهميش بعض الحضور ، أو التقليل من شأنهم . وهذا حديث آخر رواه البخاري أن أناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأرسل إليه فجاء ، فلما بلغ قريبا من المسجد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى خيركم ، أو سيدكم .



( الدين النصيحة) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر صحيح الجامع

هكذا أخبرنا حبيب الرحمن ، فالمسلم في قانون الإسلام شخص إيجابي مؤثر في مجتمعه ، يقوم الاعوجاج ، وينقد ما يراه من عيب أو خلل .

وتكون النصيحة واجبة إذا كان مستحقها شخص قريب منا ، عزيز علينا ، نرتجي كماله ونخشى وقوعه في الذلل .

الإمام ابن تيمية رحمه الله يخبرنا أن المؤمن للمؤمن كاليدين يغسل إحداهما الأخرى .
فإسداء النصح في دين الله فرض ، ومكاشفة الغافل ، وتنبيه الساهي ، وتذكير الناسي من أصل دعوة الإسلام .

والمشكلة التي تواجهنا أن النصيحة غالبا ما تكون شديدة على النفس ، وكثير ما يرفض الناس النصح أو النقد ، وينظر معظمهم إلى ذواتهم على أنها شيء مصون مقدس لا يجب المساس به !!! .
يقول أبي العلاء المعري :

سَمْعي مُوَقىَّ، سالمٌ فقلِ الصوابَ ولا تَصِحْ
والمرءُ في تَرْكيبهِ غَضَبٌ يَهيجُ، إِذا نُصِحْ


لهذا فإن هناك إشكالية لكل من يطمح في كسب قلوب الآخرين .
وسؤال يتردد في الذهن حال رؤية خلل في شخص ما وهو :
هل أنصحه .. أم لا ؟؟؟

فإن نصحنا أرضينا ربنا وربما أغضبنا المنصوح وإن كنا تاركين النصح أرضينا الناس وأغضبنا ربنا !! .

فهل هناك حل وسط ، وطريقة نرضي بها الله ، بدون أن نغضب الناس ؟؟
والإجابة هي نعم إن للنقد أسس ومبادئ وآداب تستطيع أن تتبعها وتمارسها فترضي ربك دون أن تغضب أحد وهذه أهمها :

1. أذكر المحاسن أولا :
قال تعالى ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم) الأعراف 85
فإذا كان للمنقود مزايا فلما لا نثني عليها أولا ، وإذا كانت لها حسنات فلما لا نبرزها قبل أن نتعرض للسيئات .!!!؟

لا يجب أن نهجم على المرء هجوما كاسحا فنظهر سيئاته فقط ، ونبينه وكأنه قد غمس في بحر الإساءة والخطأ غمسا.

بل يجب أن نثني على الجانب الخير لديه ثم نتعرض وبلطف إلى الشيء محل النقد .
كما يجب أن نُُشعر الشخص المنقود أن هذه النقطة ـ محل النقد ـ لا تقلل أبدا من الصورة الجميلة الكلية . وأن نقدنا له غايته أن تراه فوق النقد .

ولقد حدث وأن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يلفت نظر عبدالله بن عمر رضي الله عنه إلى قيام الليل فقال لأخته السيدة حفصة رضي الله عنها ((نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل) فلما وصلت الكلمة إلى الصحابي الجليل ، لم يترك قيام الليل أبدا . فانظر أخي لقول رسول الله ( نعم الرجل عبدالله) ففيها ثناء وتعريف بفضل الرجل ثم بعد ذلك جاء التنبيه النبوي كأجمل ما يكون .

2. ركز نقدك على إيجاد الحلول:

لا يكفي أن تنقض فقط ، وليس من المستساغ أن تكشف العيوب وتفردها ثم لا تعطي للمنقود رأيا إيجابيا ، إن تركيزك على الحل يشعر الطرف المقابل بصدق نيتك ، وبرغبتك في تميزه وارتقائه .

3. حافظ على احترام الشخص لذاته :

تجنب التعليقات التي تحط من قدر الشخص المنقود ، حاول أن تقول ( رأيي ، وجه نظري ، رؤيتي ) بدلا من ( من الخطأ ، ليس صحيح ، يجب أن ) ، ويجب أن تعلم أخي الكريم أن كلماتنا هي السبب الأول في تقبل الطرف الآخر للنقد أو رفضه ، فاختر الكلمات التي ليس فيها جرح له ولا لكرامته .

4. اجعل الطرف الآخر يشاركك عملية النقد :

قل له ما رأيك في هذا الشيء ألا ترى معي أن هذا ربما يكون أفضل ؟ ، شيء جميل لكنك تمتلك أفضل من ذلك ألست معي ؟
تلك المشاركة تجعل النقد شيئا أشبه بالاقتراح ، وتجعل تقبله أسرع وأيسر .

5. اذكر المزايا دون ذكر لكن :

لكن تنفي ما قبلها !!!!! . والعقل الإنساني مبرمج أن ينتبه عند كلمة لكن ويستعد لسماع الرسائل السلبية ، وكما أسلفنا في النقطة الأولى يجب ذكر المحاسن أولا وبدلا من أن نقول لكن ونذكر النقد نستبدل تلك الكلمة بـ ( و ) أو ( سؤال) .

مثال : مقالك رائع ما شاء الله ، ألا ترى معي أن الإحصائيات الحديثة ستزيده عمقا ؟
بدلا من : مقال جميل لكن تنقصه الإحصائيات الحديثة .

أو : لقد وفقت في عرض سلعتك وأرى أن تذكر له مميزات الضمان فربما تشجعه على الشراء .
بدلا من : جميل طريقة عرضك لكنك أغفلت مسألة الضمان رغم أهميتها .

والشاهد : أن كلمة لكن غير محببة للأذن ، فحاول أن تخفف منها قدر الإمكان .



فما كُلُّ ذي نُصْحٍ بمؤتيكَ نُصْحَهُ ولا كل مؤتٍ نُصْحَهُ بلبيبِ

ولكن إِذا ما استجمعا عند واحدٍ فحُقَّ له من طاعةٍ بنَصيبِ
( الدين النصيحة) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر صحيح الجامع


هكذا أخبرنا حبيب الرحمن ، فالمسلم في قانون الإسلام شخص إيجابي مؤثر في مجتمعه ، يقوم الاعوجاج ، وينقد ما يراه من عيب أو خلل .
وتكون النصيحة واجبة إذا كان مستحقها شخص قريب منا ، عزيز علينا ، نرتجي كماله ونخشى وقوعه في الذلل .

الإمام ابن تيمية رحمه الله يخبرنا أن المؤمن للمؤمن كاليدين يغسل إحداهما الأخرى .
فإسداء النصح في دين الله فرض ، ومكاشفة الغافل ، وتنبيه الساهي ، وتذكير الناسي من أصل دعوة الإسلام .
والمشكلة التي تواجهنا أن النصيحة غالبا ما تكون شديدة على النفس ، وكثير ما يرفض الناس النصح أو النقد ، وينظر معظمهم إلى ذواتهم على أنها شيء مصون مقدس لا يجب المساس به !!! .

يقول أبي العلاء المعري :

سَمْعي مُوَقىَّ، سالمٌ فقلِ الصوابَ ولا تَصِحْ
والمرءُ في تَرْكيبهِ غَضَبٌ يَهيجُ، إِذا نُصِحْ
لهذا فإن هناك إشكالية لكل من يطمح في كسب قلوب الآخرين .
وسؤال يتردد في الذهن حال رؤية خلل في شخص ما وهو :
هل أنصحه .. أم لا ؟؟؟

فإن نصحنا أرضينا ربنا وربما أغضبنا المنصوح وإن كنا تاركين النصح أرضينا الناس وأغضبنا ربنا !! .

فهل هناك حل وسط ، وطريقة نرضي بها الله ، بدون أن نغضب الناس ؟؟
والإجابة هي نعم إن للنقد أسس ومبادئ وآداب تستطيع أن تتبعها وتمارسها فترضي ربك دون أن تغضب أحد وهذه أهمها :

1. أذكر المحاسن أولا :

قال تعالى ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم) الأعراف 85

فإذا كان للمنقود مزايا فلما لا نثني عليها أولا ، وإذا كانت لها حسنات فلما لا نبرزها قبل أن نتعرض للسيئات .!!!؟
لا يجب أن نهجم على المرء هجوما كاسحا فنظهر سيئاته فقط ، ونبينه وكأنه قد غمس في بحر الإساءة والخطأ غمسا.

بل يجب أن نثني على الجانب الخير لديه ثم نتعرض وبلطف إلى الشيء محل النقد .
كما يجب أن نُُشعر الشخص المنقود أن هذه النقطة ـ محل النقد ـ لا تقلل أبدا من الصورة الجميلة الكلية . وأن نقدنا له غايته أن تراه فوق النقد .

ولقد حدث وأن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يلفت نظر عبدالله بن عمر رضي الله عنه إلى قيام الليل فقال لأخته السيدة حفصة رضي الله عنها ((نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل) فلما وصلت الكلمة إلى الصحابي الجليل ، لم يترك قيام الليل أبدا . فانظر أخي لقول رسول الله ( نعم الرجل عبدالله) ففيها ثناء وتعريف بفضل الرجل ثم بعد ذلك جاء التنبيه النبوي كأجمل ما يكون .

2. ركز نقدك على إيجاد الحلول:

لا يكفي أن تنقض فقط ، وليس من المستساغ أن تكشف العيوب وتفردها ثم لا تعطي للمنقود رأيا إيجابيا ، إن تركيزك على الحل يشعر الطرف المقابل بصدق نيتك ، وبرغبتك في تميزه وارتقائه .
3. حافظ على احترام الشخص لذاته :

تجنب التعليقات التي تحط من قدر الشخص المنقود ، حاول أن تقول ( رأيي ، وجه نظري ، رؤيتي ) بدلا من ( من الخطأ ، ليس صحيح ، يجب أن ) ، ويجب أن تعلم أخي الكريم أن كلماتنا هي السبب الأول في تقبل الطرف الآخر للنقد أو رفضه ، فاختر الكلمات التي ليس فيها جرح له ولا لكرامته .
4. اجعل الطرف الآخر يشاركك عملية النقد :

قل له ما رأيك في هذا الشيء ألا ترى معي أن هذا ربما يكون أفضل ؟ ، شيء جميل لكنك تمتلك أفضل من ذلك ألست معي ؟
تلك المشاركة تجعل النقد شيئا أشبه بالاقتراح ، وتجعل تقبله أسرع وأيسر .
5. اذكر المزايا دون ذكر لكن :

لكن تنفي ما قبلها !!!!! . والعقل الإنساني مبرمج أن ينتبه عند كلمة لكن ويستعد لسماع الرسائل السلبية ، وكما أسلفنا في النقطة الأولى يجب ذكر المحاسن أولا وبدلا من أن نقول لكن ونذكر النقد نستبدل تلك الكلمة بـ ( و ) أو ( سؤال) .
مثال : مقالك رائع ما شاء الله ، ألا ترى معي أن الإحصائيات الحديثة ستزيده عمقا ؟
بدلا من : مقال جميل لكن تنقصه الإحصائيات الحديثة .

أو : لقد وفقت في عرض سلعتك وأرى أن تذكر له مميزات الضمان فربما تشجعه على الشراء .
بدلا من : جميل طريقة عرضك لكنك أغفلت مسألة الضمان رغم أهميتها .
6. تخير الوقت المناسب :

هناك أوقات لا يستحب فيها النقد ، كوقت الغضب ، أو التوتر ، أو انشغال الذهن في أمر هام ، واختيار الوقت المناسب الذي تتوسم فيه قبولا من الطرف الآخر من الأهمية بمكان ، فربما ثار الشخص المنقود وهاج ليس من شدة النقد ولا بالنقد أصلا بقدر ما هو من الوقت السيئ الذي ألقيت بنقدك فيه
7. تجنب النصيحة على الملأ :

فإنها فضيحة ، فليكن نصحك له بينك وبينه . فإن النصيحة على الملأ مؤذية يقول الشافعي ـ رحمه الله ـ "مَنْ وَعَظَ أخَاهُ سِرًّا فقد نَصَحَه وزَانَه، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَه" .
ونصيحة العلانية فيها استفزازا للمنصوح ، وقد يفهمها على أن المقصود منها فضحه ، وإظهار عيبه وخطأه ، مما يجعله يغلق قلبه وأذنه عنك .
، ولله در أمير الشعراء إذ يقول : آفةُ النصحِ أن يكون لجاجاً .... وأذى النُّصحِ أن يكون جِهارا
ويقول الإمام الشافعي كذلك لناصحه :

تعمدْني بنصحِكَ في انفرادي .... وَجِّنْبني النصيحةَ في الجماعةْ
فإِن النصحَ بين الناسِ نـوعٌ ..... من التوبيخِ لا أرضى استماعَهْ
وإِن خالفتني وعصيتَ قولـي ..... فلا تجزعْ إِذا لم تُعْطِ طاعة

8. لا تنصح من برج عاجي :
فلا تنصح باستعلاء ، أو غرور ، ولا تؤنب وتوبخ ، فأنت لست بمأمن من الخطأ ، ولست فوق النقد ، فليكن أسلوبك هينا ، ونصيحتك حارة صادقة ، واعلم أن أسلوب النقد يقع عليه العامل الأكبر في تقبله ، وكثر هم من رفضوا النقد لا لشيء إلا للإسلوب الذي استخدمه الناقد .
ويحكى أن واعظا قال للخليفة المأمون : إني واعظك فمغلظ لك القول ، فقال المأمون : مهلا .. فإن الله قد أرسل من خير منك وهو موسى عليه السلام وأخاه هارون لمن هو شر مني وهو فرعون ، وقال لهما :
( فقولا له قولا هينا لعله يتذكر أو يخشى ) .
9. لا تنصح على شرط القبول منك :
وإلا أصبحت ظالم لا ناصح ، وطالب طاعة لا مؤدي حقوق الأخوة .
10. قف مكان المنقود :

أي تفهم مشاعره ، وتقبل تصرفه ، بل واشرح له لماذا فعل ما فعل ، وبين له أنك لو كنت مكانه ولديك نفس المعطيات المتوفرة لديه فإنك حتما كنت ستفعل ما فعله ، فأنت بذلك ترفع عن كاهله العبء النفسي الذي يثقله كشخص مخطئ ، وفي المثل الاسكتلندي ( حينما تستطيع أن تضع قدميك في حذائي ، تستطيع أن تفهمني ) .
11. دعه يبرر وجه نظره : لا تحجر عليه ، ولا تتعصب لوجه نظرك ، دعه يقول ويشرح ويبرر ، واستمع له في حب وإنصاف .
حتى لو أيقنت أن كلامه تبرير لن يقدم شيئا ، لا بأس دعه يقوله واسمعه في هدوء ، فمصادرتك لحقه في تبرير وجهة نظره هو بمثابة الحكم على المتهم بدون سماع شهادته .
وهذا مما يراه المنقود ظلما وتجنيا منك ، ويحملانه إلى الاعتقاد بأنك تريد إلصاق الأخطاء به ، وقد يدفعه هذا إلى بغضك والبعد عنك .
12. ليكن لك نظره في الشخص :
هناك من يفهم مرادك ونقدك إذا لمحت ، فلا تصرح له .
وهناك من يجب أن تصارحه ، بل وهناك من سيجادلك ، ليكن .. لكل نفس أسلوبها ولكل رجل مفتاحه .
كذلك حاذر أن تنقد الخاصة كنقد اصطحابك ، فأباك وأمك ومن هم في مقام مرتفع لهم أسلوب خاص جدا في التعامل ، ويجب أن يكون رصيدك من الاحترام والتأدب والروية والصبر لا محدود مع تلك الفئة ، ونقدك لهم مغلف بغلاف من المودة والعطف ، بل والتذلل والخنوع .
13. لا تنس أن نصحك حق لله :
فلا تتشفى .. ولا تنقد كي يقال فلان له رأي مختلف ، ولا تجادل الطرف الآخر جدال عقيم ، لتكن نصيحتك بالتي هي أحسن ، ولسان حالك قول أحمد شوقي رحمه الله :
لكَ نُصْحي وما عليكَ جِدالي ... آفةُ النصحِ أن يكون جِدالا

يقول الإمام بن قيم الجوزية :

إن النصيحة إحسان إلى من تنصحه ، بصورة الرحمة له ، والشفقة عليه ، فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة ، ومراد الناصح بها : وجه الله ورضاه ، والإحسان إلى خلقه ، فيتلطف في بذلها غاية التلطف ، ويحتمل أذى المنصوح ولائمته ، ويعامله معاملة الطبيب العالم المشفق على المريض المشبع مرضا ، وهو يحتمل سوء خلقه وشراسته ونفرته ، ويتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن فهذا شأن الناصح . وأما التأنيب فالقصد منه التعيير والإهانة ، وذم من أنبه ، وشتمه في صورة ناصح مشفق .
ومن الفروق بين الناصح والمؤنب أن الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته ، قال لك : قد وقع أجري على الله ، قبلت أو لم تقبل ، ويدعو لك بظهر الغيب ، ولا يذكر عيوبك ، ولا يبينها للناس ، والمؤنب عكس ذلك

وفي الأخير هناك من لا يقبل النقد ، لكبر في النفس ، وغرور في الطبع ، وحماقة جبلت العقول عليها ، فلا تحزن فالرجال يعرفون حق الرجال .. ولله در الأصمعي حين قال :
إِن النصائحَ لا تخفى مَناهِجُها على الرجالِ ذوي الألبابِ والفهمِ
أما الحمقى رافضي النصيحة ، فلا تعبأ بحمقهم ، يكفي أن أطعت الله فيهم .. وإن لم يحفظوا لك جميل نصحهم ، فلا عليك يكفيك أن الله ناصرك ومؤيدك قال رسول الله × (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس ) (صحيح) انظر صحيح الجامع للألباني .
وليكن حالك كحال نبي الله صالح ـ عليه السلام ـ : }فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ ولَكِن لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ{ [الأعراف: 79].

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More